آخر الأخبار
... جاري التحميل

آياتي المفصلة خاطرة بقلم عمار مشان

0

 






" آياتي المفصّلة" : 


أقولُ وما قولي إلا الفصلُ

وما دون ذلك هو اللغطُ

أنا مليكُ ومالكُ  نفسي

 بعدَ اللهِ ليس يعنيني أحدُ

 إذا قلتُ فلساني حسامٌ

حدُّه حادٌّ كما الحسامُ

 يصبُّ على الحمقى سوطَ عذابٍ

 ولَكَم واريتُ وأُوارِي لكنّ المواراةَ مرضٌ عضالُ

 إن أنا جانبت فهيما تسيّد عليّ وإن أنا جانبت مغفلا تجرّأ

صفعة على خد كل منهما ، تسكتهما أبد الدهر سِنيا

 فلا الأول يطغى بجاهه، ولا الثاني تعلو مآقيه عليّ

هو ذا زمن الشؤم اللقيطُ

لا الرحمة تجدي ولا الرفق يفيد

 فاضرب على قوم ظن بنفسه سيدا، والنعل أشرف منه بل أجلّ.

 تلك صفاتكم وما النفاق من شيمي، فلا ترجوا مني تجميلا لكمُ. 


بقلم: عمار مشان

المتوجة بجائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب علي معاشي لطبعة2020، الروائية حميدة شنوفي.

0
المتوجة بجائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب علي معاشي لطبعة2020، الروائية حميدة شنوفي، برواية النهاية في رواية ريح الجنوب لعبد الحميد بن هدوقة،  ضمن فعاليات تسليم جوائز علي معاشي، المسرح الوطني محي الدين باشطارزي، تحت اشراف وزيرة الثقافة السيدة مليكة بن دودة.








أقلام/ سبع تعويذات، خاطرة بقلم محمد عدنان بن مير " الذبيح الثائر "

0





سبع تعويذات
____________________________
يستحي الورد والياسمين من ريحك
وبابي الصبح آن يتنفس كعادته
عندما تكون هناك أنثى أطلق لهواك عنانه
ليعانق سماءها و يقبل نجومها
و يتسلق تفاصيل تضاريسها
و يغتسل عند حوضها
و يمتطي صهوة خصرها

التعويذة الثانية
اجهشت اليك بالهوى والهوى قاتلي ترحمي وانا اتصبر لا تلومني أن في هواك تعجلت فاليا منه رشفة اشفي بها داء و السقم بهواك اغدو سكران من غير رباب صبيت في حبك وليس لي عزم وي كأنه سيف مهند
التعويذة الثالثة
وارسل واردي الى بئرك فلا ترديه بخف حنين فيهلك فتاه ظمأنا من غير ذنب وتسأل بأي ذنب وأديته
التعويذة الرابعة
الحروف كتبتي وهل الهوى اسرجتي الكلمات اتركيني امشي حافيا في بيداءك واتسلق تضاريسك


التعويذة الخامسة
صباحك ورد . صباح العذارى التي تستيقظ و تقول ماكنت بغيا و تشير الى منديل ابيض مرصع بالشرف
تلقيه على وجوهن فيردعليهن ابصارهن
التعويذة السادسة


اوقد للحب والعشق نار ذات لهب وكوني انت حمالة الحطب في جيدك الهوى يصلب وعلى صدرك يرتع و يلعب
التعويذة السابعة
لا ترك نار حبك تتمهل فبعض التمهل قيود والحب لا بد أن يكون حر من قيود كسري كل القيود و هييء للحب المجداف و الشرع


بقلم: محمد عدنان بن مير الذبيح الثائر

أقلام/ بعيد عن العين، خاطرة بقلم مولاهم عبد الله

0



بعيد عن العين_____________

بعيد عن العين والقلب يرقبه
هلا اقتربت فإن العين في ألم
تراك مقلتي في المنام وما
يشفى لهيب النار في الحلم
فاسمع بقلبك إن الأذن كاذبة
وانظر بعقلك إن العين كالصنم
تسمع أنيني وتبصر طول مدته
ترحم فؤادا يبغي طلعة النجم
وإلا دع روحي إن الموت قادمة
قد قالها ربي في محكم الكلم.

أقلام/ يا مدللة، خاطرة بقلم يوشي نور الايمان

1






يا مدللة____________________
تراتيل بنكهة صاخبة....
يتلوها طفلٌ لا يمل البهجة ...
على لحن ناي معبق
ٍ بالثورات المتمردة
تطفو غيمة عزٍ متبخترة
تسقي زهرا نادر الوجود
لتندلع ملحمة وجودكِ الآسرة.

تبختري بكلماتك المدللة
ودعي أنفاسي تنتشي من غنجك
يامدللة ....
من شذى خطواتك
دعيني أسرق قصيدة...
ذات أبياتٍ مغرورة ....
وأحرفٍ متمردة....
لا تعترف بفواصل ولا بنقاط خاتمة
فوابربي الكتاب ،ومرسل السحاب
لإنه أعياني بل أشقى فؤادي
عبوسك ِ ....فابتسمي
وبالمتيم بأراضيك تلطفي ...
وأخبريني ؛
حبك فطرة أم جبلة؟!
وملامح الغيم النقي بعينيك
أعابرة أم مستقرة ؟!
وسحر طيفك أسرق من القمر
أم سلب من السهى غصبا؟!
وطيش الطفلة الشقية
الذي يلف ملامحك
أمسك روحك ذاك
أم غبار أيام يتَّمطى؟!
يابابلية الطلة ...
بغدادية المقلة ....
يمنية الرمش...
فارسية الغصن ...
أجيبي سارحاً بهواكِ سادراً.
نحر صبره عند بابك
و لاقى حتفه لما طلَّ غيابك .

بقلم:يوشي نور الإيمان

أقلام/ المقاربة التاريخية و تعدد الأصوات في البنية السردية في رواية الديوان الاسبرطي للروائي عبد الوهاب عيساوي بقلم الروائية حميدة شنوفي

0



المقاربة التاريخية و تعدد الأصوات في البنية السردية في رواية الديوان الاسبرطي للروائي عبد الوهاب عيساوي ______________

يسوقنا التاريخ كروائيين في كل مرة نوجه فيها رغبتنا نحو قولبته روائيا، إلى وجوب التفصيل في إحدى ثغراته التي ينبغي أن يكون العمل الروائي إشباعا لها، سواء من حيث الزمكان أو الشخوص أو حتى الأحداث.

وكما يصرح عديد الكتاب الذين اتخذوا من هذه المادة الخصبة منهلا للكتابة الروائية، وجعلها مادة دسمة سهلة الهضم بالنسبة للقارئ الشغوف بالاكتشاف أو لاشباع ميلوله أو حتى لتدعيم موسوعته المعلوماتية، والمضطلع عموما بشتى ميادين التاريخ، العاشق للخوض في اكتشافها، و الراغب في استقبالها في شكلها الروائي الذي يحول دون لجوءه إلى النصوص التاريخية المملة، من دراسات و اجتهادات و كتب تاريخية تعج بالتواريخ والشخصيات والأحداث المملة.

يصرح أن العمل الروائي وحده الفضاء الخصب الذي ينبغي أن يحتوي المادة التاريخية، و أن الجهد المبذول لجعل المتلقي راضيا بما سيتذوقه داخل المتن الروائي، لا ينبغي أن يحيد عن ما تستوجبه تقنيات الرواية.
لذا يميل هذا الأخير إلى العمل الروائي كأفضل الحلول وآخرها، كما يستغل الروائي هذه الحجة لتقديم التاريخ بتشعباته وتداعياته واختلاف مصادره، و تعدد الآراء فيه، صدق المعلومة فيه من زيفها؛ منسقا في هيئته الروائية و مُتقبلا هضمه من قبل القارئ.

ورغم أن العمل الروائي لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتمادة كمرجع للمعلومة التاريخية البحتة، الا أنه لا يمكن انكار فضل الرواية في احتواء المادة التاريخية؛
فنحن نؤمن ان المادة التاريخية لا يمكن أن يليق بها سوى العمل الروائي.

إن الجهد المبذول في جعل الرواية مسرحا فضفاضا للمعومة التاريخية، مقيد الى حد ما بوجوب الابتعاد عن تقديمها بشكلها الفاضح الذي قد يحيد المادة الروائية عن صنفها، فلا يعود بالامكان اطلاق لفظ رواية على فصولها، بقدر ما ينبغي تصنيفها ضمن أصناف أخرى قد تتباين بين الدراسة التاريخية، النص التاريخي، أو البعث الحي للتاريخ من جديد في نص موازي بعيد كل البعد عن صنف الرواية، ووجوب اعتماد كافة تقنيات بناءها سواء في حركة الشخوص داخل المتن الروائي، قوة الحبكة وتأثيرها على المتلقي و اسالة لعابه لتذوقها، تأزم الأحداث و تراخيها ونهايتها، وكذا بدايتها التي لا ينبغي للوهلة الأولى اشعار القارئ وكأنه يحمل بين دفتي يديه مجرد كومة أوراق تدعو بشيء من التفصيل إلى التعرف على حقبة من حقب التاريخ فقط. وكأن اللجوء الى العمل الروائي لا جدوى منه.

وهنا وجب التنويه إلى أن إخراج المادة السردية في شكلها الحقيقي، بعيدا عن اسقاط التاريخ بكل حيثياته في العمل الروائي وجبت فيه الروية، حسن اختيار حركة الشخوص داخل المتن، وكذا الابتعاد عن أخذ التاريخ دون تمحيص مسبق ودراسة بكل تبايناتها حتى يتسنى للشخوص الحركة بأريحية، وكذا ابداء آراءهم التي قد تأخذ من شخصية الروائي حد التقييد، مسقطا إياها كراوي عليم بكل ما يؤمن ويدعو له، في ذهن المتلقي إلزاما، جاعلا من كل الشخوص وسيلة لفرض رأيه على القارئ، دون أن يترك لهم حيزا للتعبير عن أفكارهم بديمقراطية روائية يحق فيها لكل منهم المحاربة من أجل اثبات صدق آرائه، رغم تباينها، ما يجعل المتلقي هو الآخر ملزما بتحمل الاستماع الى رأي الكاتب من خلال شخوصه وعيش تأزم آراءهم.
لكن عكس ذلك ما سيفتح أمام ذهن المتلقي رغبة في اكتشاف كل شخصية على حدى، وما الذي قد تدعو اليه، والأهم طرح الأسئلة التي من خلالها إما أن يجد القارئ نفسه مستعدا لمواصلة القراءة، وإما مجبرا على ترك العمل لملل فيه أو لعدم تمكن الكاتب من إثارة رغبته في اكتشاف ما الذي قد تحمله صفحات العمل من أحداث لاحقا...خاصة إذا ما كنا أمام عمل روائي تاريخي تفوق عدد صفحاته ال400 صفحة.
وطرح أسئلة وجودية عما اذا كان لشخصية من الشخوص الحق والمصداقية فيما تدعو اليه دون الأخرى، هو المفتاح الذي يدفع المتلقي لمواصلة القراءة حتى فك اللبس، والحصول على إجابة وافية.
وهذا ما لمسناه في رواية الديوان الإسبرطي للروائي عبد الوهاب عيساوي الحائزة على جائزة البوكر لهذا العام.

إن المتمعن في الأحداث التاريخية بوجه عام والشخوص بوجه خاص في رواية عبد الوهاب عيساوي، يجعل المضطلع على جل الأعمال التاريخية يتأكد من أن الديوان الاسبرطي قد اعتمدت على التاريخ من أجل اثبات صدق المعلومة التاريخية من وجهة نظر تعددت ضمن خمس شخصيات جعلها الكاتب حرة طليقة في سرد أحداث الرواية، جاعلا من العمل الروائي التاريخي مسرحا يمكن للشخوص التحرك فيه بحرية دون ردع.

إن متلقي متن رواية الديوان الاسبرطي كقارئ، يختلف عن تلقيه كناقد، قد تذهب به خبرته النقدية إلى أبعد مما قد يصل ذهن القارئ العادي، خاصة فيما يتعلق بأحداث الرواية وشخوصها باعتبارهما العنصران اللذان قد يركز فيهما القارئ العادي قبل تركيزه في أشياء اخرى، دون أن نغفل الحقبة التاريخية التي من المتوجب على كليهما معرفة الحيز التاريخي الذي تدور فيه.
لكن ما لا يمكن عدم ملاحظته، سواء أكنت قارئا عاديا أو ناقدا في هذا العمل، هو تركيز الكاتب عمدا على شخوص الرواية دون أحداثها.
وهذا ما عمد الكاتب إلى جعله أولى أولوياته أثناء فعل السرد.
جاعلا من تلك الأصوات الخمس حسب ما ورد في هذا المتن، تتحرك في نطاق حلقي تعود بنا كل منها في كل مرة تتوقف فيها تاركة لغيرها فرصة البوح، وجاعلة منا متأكدين من أنها ستعود مرة ثانية للمواصلة عند النقطة التي توقفت فيها.

إن تباين الشخوص وتركيز الكاتب على بعثها من جديد في كل مرة تتوقف فيها عن البوح للضرورة السردية، من خلال خمس فصول كاملة تديرها خمس أصوات، لم يحد الرواية عن الهدف الذي رسمه لها الكاتب في جعلها الرواية التاريخية الأحق بحمل هذه التسمية، لذا يمكن أن نشهد له بالاحترافية في بلورة السرد تاريخيا في فترة ضيقة تجلت بأريحية سردية تعددت فيها الأمكنة، بذل فيها الكاتب جهدا ملحوظا مخططا له بذكاء في فترة أبرمت فيها صفقة استسلام سلمت فيها الجزائر طوعا لاحتلال فرنسي في زمن هو الاخر كان حافلا بالأحداث، أهمها معركة (واترلو) وخروج الفرنسيين مهزومين منها، خروج الأتراك من الجزائر ومخلفاتها، والأهم بداية حقبة جديدة للفرنسيين في الجزائر.
فنرى أن ادراج كل هذه الأحداث، هو ما فتح ذهن الكاتب لخلق أصوات خمس من منظور داخلي للشخوص، دافعت طيلة بوحها في المتن الروائي عن آراءها المتباينة، برمجت هي الأخرى إلى ثلاث أصوات عامة: شخصيتان فرنسيتان، شخصية عثمانية تتأرجح بين الولاء للاتراك والفرنسيين، وشخصيتان من عامة سكان المحروس، من منظور خارجي تتحكم فيه الفترة الزمنية التي تناولتها الرواية والمتجسدة بين العهدين العثماني والفرنسي على الجزائر.

إن تعدد الأصوات التي جعل منها الكاتب العنصر الأكثر فاعلية في الرواية، والتي قد تتباين فيها الآراء بين معتقد من أنها إحدى أسباب ضعف المتن الروائي و تلاشي عنصر التشويق، باعتبار أن لا جديد تأتي به الشخوص بل هي ذات الفكرة التي ستطرح من وجهات نظر مختلفة.
وبين مأكد ومؤمن من أنها العامل الأول في بناء هندسة محكمة لأحداث الرواية، والتفصيل بشيء من الحداثة في السرد الروائي لا نرى له تواجدا عند عديد الكتاب حاليا.
فنجد أن الديوان الاسبرطي، هذه الرواية التي حملت عنوانا مستفزا ذهن القارئ لضرورة دراسة هذا العمل واكتشاف علاقة العنوان بمتن الرواية، خاصة أن لا تاريخا قد يَبني علاقة بين الجزائر واسبرطة؛ المدينة اليونانية المؤسسة خلال إحدى حقب التاريخ قبل الميلاد، مستفزة مرة أخرى ذهن المتلقي لضرورة دراسة تحرك الشخوص و تأثير تعدد أصواتهم على البنية الحكائية للعمل، فنجد أن كثرتها وتباين النزعة الذهنية لكل منها قد حقق نوعا من الديمقراطية في الآراء فنجد:
(صوتان فرنسيان متباينان و متقاربان في الآن ذاته، ديبون: الصحفي المدافع عن القيم الانسانية حتى ضد بني بلده، كفيار: المخطط الفعلي لحملة الاحتلال الفرنسي على الجزائر.. هذا فضلا عن ثلاث اصوات متبابنة بين الصوت التركي و الجزائري، متجسدة في ابن ميار: المخلص للسلطة التركية من جهة و السلطة الفرنسية من جهة أخرى، و حمة السلاوي: الوطني المدافع عن وطنه مهما كانت الظروف..إضافة الى الصوت النسوي الوحيد في الرواية والمتمثل في البغي دوجة)

إن حركة الشخوص داخل المتن الروائي لرواية الديوان الاسبرطي والمدرجة بشيء من الترتيب الفاضح أثناء بوحها، يجعل الرواية وكأنها سرد بالأولوية، فنجد الشخوص الخمسة ((ديبون كفيار ابن ميار حمة السلاوي و دوجة)) في تناوب واضح على السرد بما يطلق عليه بتعدد الرواة، فرواية الديوان الاسبرطي لم تعتمد على راوي واحد عليم، و إنما تعدد فيها الرواة في بلورة فترة من فترات تاريخ الجزائر .

إن تغليب الكاتب لشخوص الرواية وتفضيل أهميتها قبل تفصيله في الأحداث، وإعطائها القيمة الأكثر بروزا في العمل، ونحن نعلم أن الرواية التاريخية وجب فيها اعطاء أولوية غير مبالغ فيها للحدث التاريخي على حساب الشخوص، يجعل من العمل رغم أن لهذه الاخيرة (الشخوص) الفضل في مقاربة الحدث التاريخي من ذهن المتلقي وجعله أكثر مرونة وقابلية للاستيعاب عملا يحسب للكاتب في مساره الروائي، باعتباره عملا متفردا عن باقي الأعمال التاريخية التي كتبت قبل هذا العمل.
في انتظار أعمال أخرى تثبت ما اثبتته هذه البنية الروائية من تمكن سردي تاريخي متكامل.. والا ستبقى الديوان الاسبرطي الرواية الوحيدة المستحقة لحمل لقب الرواية التاريخية المتكاملة بكل ما تحمله التسمية من معنى.

حميدة شنوفي

أقلام/ عندما يعزف القدر، قصة قصيرة بقلم الكاتبة ريان حسين ماجد

0


عندما يعزف القدر _______________________________________

لكلّ واحدٍ منا حصته من النجوم اللامعة في السماء، فداخل كل نجمة، ريشة سحرية نرسم بها القدر. أحياناً يصعب علينا إلتقاطها، وأحيانا أخرى تُقفَل بمفتاح الغير، يفاجئنا بمنعنا من الوصول إليها، أو يسرقها منّا، فيغير لنا رسمتنا، أو يلونها بالألوان التي يريد. وهنا تبدأ اللعبة، لعبة القدر. ولكن ماذا إن لعب القدر لعبته بقوة حاسمة، وانتصر على الأداة فرحاً، ثم أتاه بعد ذلك جيشٌ من الألحان السامية، متوجه نحو الرسومات التي غُصِبت، ليُضفي عليها ألوانه الجديدة و يغيّر كل شيء... كل شيء... بعزفة واحدة؟!

من جملة الرسومات تلك، رسمة 'أحمد'، التي لطختها الحياة بأبشع أنواع الألوان، وغيرت معالمها بأقلام الغدر والوجع.

أحمد رجل متزوج، رُزق بفتاة في غاية الجمال وأسماها 'حلا'.

ولكن للأسف، لم تكمل فرحة 'أحمد' ،أصيبت زوجته بمرض عضال أرماها في سرير المشفى لسنوات.عانت 'رغد' ما عانت من الألم والأوجاع، فكانت كالوردة التي مُنع عنها ضياء الشمس، فراحت تذبل يوما بعد الآخر. وفي يوم ذهب أحمد لزيارة زوجته، كانت حالتها مزرية جداً. ها هي الريشة السقيمة مجددا،لونت عيناها بالسواد، وجبينها باللون الأصفر الشاحب، ونزعت من خديها اللون الزهري، وزادت على المعالم خطوط التعب والإرهاق.

-"أحمد.." قالت بصوت ضعيف.

-" يا قلب أحمد النابض، ها أنا أسمعك..." قال أحمد.

-" أحس بنفسي قد انكرست، والكسر هذه المرة قوي جداًّ، لا تستطيع ترميمه، ولا حتى معالجته، من هذا الكسر ستخرج روحي التي أحبتك كل أيامها، من هذا الكسر وجدت روحي لنفسها طريقا إلى العالم الآخر..!!" قالت رغد والدموع قد خُطّت على وجهها.

أمسك أحمد يدها، راح يقبلها، وانذرفت القطرات من غيمة عيونه الماطرة.وبينما هو كذلك عزف القدر بلحن مميت هذه المرة، فانتبه أحمد إلى صوت قلب رغد الذي توقف عن النبض، منبها إياه بصفارة موت.

رحلت رغد عن الدنيا، وعاش أحمد أقسى أيام حياته، فالمعشوق قد غادر العشيق، وتوأم الروح قد ذهب في رحلة بعيدة. في يوم وبينما هو يضع حلا في سريرها، رن جرس الهاتف، ها هي أم أحمد و بفمها خبرٌ لا تستطيع أن تكتمه بعد الآن. حمل الهاتف، توجه نحو الشرفة ليتحدث معها وفي هذه الأثناء كان ينظر إلى اللوحة السوداء المزينة بنجومها الخلابة، التفت نظره إلى واحدة ولكنه للأسف لم يستطع أن يأخذها وتحولت نجمته إلى نجمة مغصوبة مجددا.

لم يتحمل أحمد الخبر،أغلق الهاتف وهو منزعج جدا، ثم توجه نحو حلا ضمها، وصار يفكر بكلمات أمه الواحدة تلو الأخرى...

... لم يذق أحمد طعم النوم تلك الليلة، وصار يفكر بطلب أمه القاسي على قلبه. وفي الصباح توجه نحو أمه ليتحدث معها حيال الأمر.

-" أمي.. كلماتك البارحة كانت كالسيف الذي مزق نياط قلبي.." قال أحمد.

-" أرجوك بلا هذه الدراما التي تفعلها كل مرة.... رغد ماتت ولكنك لم تمت، ولديك طفلة عليك الإهتمام بها جيدا... لذا عليك بالزواج... وأما أن تضعها عندي كلما ذهبت إلى العمل لأهتم بها وأرعاها لك، فهذا الأمر لم يعد يناسبني بعد الآن.... " قالت الأم ومعالم وجهها تحتاج إلى خبيرٍ لتتفسر.


-" ولكن يا أمي هذا صعب جدا، للآن أنا لم أستطع أن أتخطى الأمر"!!


-" لا جدال... إما أن تأخذ ابنتك إلى غيري فيرعاها لك، وإما أن تتزوج وتكمل حياتك بشكل طبيعي.. هذا كل ما عندي... ومع السلامة!!"


كانت كلمات أم أحمد جارحة جدا، ملونة أيضا بريشة القسوة الداكنة. ظل أحمد يفكر لأيام بالموضوع وعندما وجد نفسه بلا حل، قرر أن يقوم بهذه الخطوة غصباً. راح أحمد يجمع أغراض رغد في صندوق ليضعه في غرفته، وبينما هو منهمك به، وقع من الصندوق عقد فيروزي جميل ساحر، حمل أحمد العقد بيده وقبّله، وروحه صارت تتراقص على نغمات الحب التي أصدرتها نبضات قلبه. أحب العقد البحري الأزرق أن يهديه حصة من الحب أيضا، فأخذه إلى سفرة عشق زمنية، إلى سلسلة من الذكريات والصور التي أمضاها مع رغد وهي تتألق بذاك الفيروزي الأخّاذ.


-"أبي.... أريد منك هذا العقد أرجوك.. إنه رائع للغاية.." قالت حلا بشغف.


-" بكل سرور يا صغيرتي!" ثم ألبسها إياه والدموع تنهمر على خديهما.


مرت الأيام، تزوج أحمد بميرا، الفتاة التي كانت أمه قد طلبتها له. ميرا كانت جميلة الخارج، قبيحة الداخل، لا تمت للإنسانية بصلة. دخلت على هذه العائلة كالسمِّ الذي يقطَّع الأحشاء ويفصلها عن بعضها البعض، فهي لم تقصِّر طبعا في فصل أحمد عن حلا كلما أرادت وكيفما أرادت.

عندما كان أحمد يذهب إلى العمل، كانت تقوم ميرا بضربها وأذيتها وعندما كانت تصرخ حلا لتستنجد بأحد، كانت تجرها بقسوة إلى الغرفة المظلمة في المنزل وتغلق الباب عليها كي لا يسمع أحد صراخها أو يحس بها.

حاولت حلا مراراً و تكرارا أن تخبر الأب عن هول ما تعانيه مع ميرا، لكن ميرا بعقلها الماكر ، كانت تبرر لنفسها كل مرة و تختلق الأكاذيب والأعذار لتنقذ نفسها من الغرق في بحر شرها هذا. وفي مرة، طلبت ميرا من حلا أن تنظف المنزل بأكمله بأناملها الصغيرة، نعم فهي كحبة الفستق التي لم تنضج بعد، وجسمها النحيل لا يساعدها على ذلك. جلست ميرا على الكرسي مستمتعة بشر فعلتها هذه، حملت كوب العصير وصارت تشربه، ومع كل مرة كانت تتعمد أن تضحك بشماتة وتزعج حلا بضحكاتها الدنيئة العالية. أنهت حلا العمل، وقد أخذ التعب منها كل مأخذ، ولأن قبح ميرا الداخلي حائز على المرتبة الأولى في الشر، حملت إبريق العصير ورمته على الأرض وطلبت من حلا التنظيف مرة أخرى، لم تتحمل حلا ذلك، توجهت نحو الهاتف لتتصل بجدتها وتخبرها بالأمر، وبينما هي تحمل السماعة هجمت عليها ميرا ولفت الشريط حول عنقها و هددتها بالقتل.

ساد الصمت على حياة الفتاة، وكأني بها صارت تذبل كأمها. وفي يوم ضاعت من حلا كل النجوم، فقد أقفلتها ميرا بقفل محكم عنيف. وأخذت منها نجمتها المفضلة، نجمة 'الحياة مع أبيها' فقررت أن تتخلص منها للأبد.

-"أجاهز أنت يا سليم.... ؟"


-"نعم سيدتي، على أتم الجهوزية..."


-"ممتاز... وأخيرا سيكون أحمد لي وحدي.... لي وحدي أنا...!!!" وشرارات المكر تخرج من عينيها.


. - "أحمد، أود الذهاب اليوم مع حلا إلى السوق، أريد تمضية وقت جميل معها..." قالت ميرا.

-"بالطبع، هذا الشيء يفرحني كثيرا.." قال أحمد.


-"لا يا أبي، لا أود الذهاب، أنا متعبة جدا...." قالت حلا بحرقة.


-" صغيرتي، هذا اليوم يومك وأريدك أنت تستمعي به.. هيا جهزي نفسك دون كسل."


حضر سليم بسيارة الأجرة، صعدت ميرا وحلا إلى السيارة، وبدأ التواصل عبر النظرات والإشارات بينهما.


-"سأنزل أنا هنا لدقائق، لا تبرحي مكانك يا حلا... " قالت ميرا.


وما إن ترجلت من السيارة حتى انطلق سليم بها نحو أرض مجهولة.خلال ذلك الوقت كانت صوت حلا يصدح عاليا من داخلها، وصراخها كاد أن يكسر زجاج السيارة من حدته، دموعها تحولت إلى شرارت حمراء تخرج من بركان مآقيها.

أنزل سليم حلا، حمل السكين، وأراد أن يقتلها، ولكن ما إن نظر إلى عينيها الحمراوين، حتى سُحر بريشة الشفقة والأسى، أحس بإحساس مهول،اضطرب الرجل، وصار يرجف من شدة خوفه...

-"يا إلهي!!! كم أنا أحمق..." قال سليم.


-"يا عم.. أرجوك، أرجوك، ردني إلى بابا... أريد بابا...بابا..." حلا متقطعة أنفاسها.


-"لا أستطيع! أنا أحتاج المال، ولكن كل ما يمكنني فعله هو أن أضعك في أي ميتم أو أي دار بعيدا عن ميرا ليهتموا بك!!"


وبالفعل، وضعها في ميتم في أقصى البلاد، وهمَّ بالرحيل.

أما أحمد، فهوت نجمته وراحت تتكسر، أخبرته ميرا أنها قد أضاعتها في السوق، نزل الخبر عليه كالصاعقة،صار يبكي بكاء الطفل الفاقد لأمه، يمْسِكُ أحْشَاءَهَ، عَلى حُرَقٍ ويطفِئُها، وَالـهموم تُشْعلُه.....مرت السنين و محاولات البحث عنها باءت بالفشل... يئس أحمد... وتوشح بالسواد للأبد..

في هذه السنين، عاشت حلا في الميتم، كبرت، تألقت، وكانت موهوبة جدا. تدربت في نادي الموسيقى في الميتم وتمكنت من أن تبهر الجميع بعزفها. وفي الثامنة عشر من عمرها، انطلقت إلى الحياة، وحصلت على مفتاح جديد لنجومها المقفلة،نعم فقد جهزت جيشا من الألحان السامية يرافقها أينما كانت وكيفما أرادت، تأخذ منه مفاتيح الحظ والقوة، وصارت بذلك تحصل على ما تريد.

في يوم، وبينما أحمد يتناول العشاء مع زوجته في إحدى المطاعم الراقية، وإذ بالأنغام تحولت إلى يد سحرية، طرقت باب قلبه فصار ينبض بلحنها، وفتحت باب عقله، لتعطي الأمر لعينيه..... أن أنظرني يا أبي.. أنا حلا...أنا حلا مدللتك... أنا حلا التي جار عليها الدهر وأسقاها مرّه.. حرمتني منك الأيام ما حرمت ومنعتني عن لقياك لسنوات.. ها أنا الآن أمام عينيك...

التفت الأب، ذُهل بأحجار رغد البحرية على رقبتها...

-"ما هذا؟؟؟؟" والصوت قد مزق أوتاره...

-"العقد.... الفيروز الأخّاذ.... ابنتي.... حلااااااا.."

قلب الطاولة رأسا على عقب، توجه نحو حلا، أما الأخيرة فقد حضرت عندها الذكريات الأليمة، آخذة إياها إلى طريق الوجع، تحولت أنغامها الموسيقية الراقية، إلى أنغام مخيفة عنيفة، تذكرت كل مر ذاقته... وكل وجع بكت عليه الجراح.... حملت عود الفيولن وتوجهت نحو ميرا، غزته في شعرها، وراحت تعزف سيمفونيتها الجديدة... سيمفونية الإنتقام.... انتاب الجميع الخوف،وضج المطعم بالصراخ، على عكس حلا التي كانت تضحك عاليا كل مرة حركت بها العود. راح الدم يسيل من رأس ميرا، ثم وقعت على الأرض بعد أن أنهت حلا عزفها. وبعد أن انتصر الجيش على القدر، اعتبره رهينة، كبّل يديه، وسجنه في سجن مؤبد حارق بعيدا عن الأنظار....

طلّق أحمد ميرا، ولأن وسواسها الشيطاني قد سيطر على ما في داخلها، انتابها الجنون ووضعت في مستشفى خاص للعلاج....

عادت حلا إلى حضن أحمد، ووعدها أحمد أنه لن يسمح لأي شيء أن يفرقهما بعد الآن. لعب القدر لعبته ولكنه لم يكن أقوى من الموسيقى والألحان.. فعزفة واحدة غيرت كل المعالم... ووضعت كل ريشة سحرية في مكانها... قضت على كل المفاتيح الصعبة... وأضفت اللمعة والإشراقة على كل النجوم الراقدة في السماء.... يمكن أن يتغير العديد من الأشياء عندما يلعب القدر... ولكن تنجذب الأحداث نحو صوت الموسيقى العذب الرنان لتعيد الأمور كلها على ما يرام... هكذا عندما يزدان القدر بالألحان.. هكذا عندما يعزف القدر.
بقلم: ريان حسين ماجد.

جميع الحقوق محفوظه © أقلام

تصميم Noro Soldat