رواية التبر لـ إبراهيم الكوني
لا أحد يجيد لغة الصحراء كإبراهيم الكوني، الصحراء محظوظة لأنها أنجبت كاتبا كالكوني يحملها معه أينما ذهب، الكوني يبني عالما لا ينضب من الحكايا والمغامرات، بأسلوب شاعري فلسفي عجيب يمزج الخيال بالواقع، يصنع من القرص الملتهب والأشعة المنسكبة على الكثبان والكهوف المجهولة والليالي المقمرة معزوفة تبتهل وتستسلم عند سماعها.
رواية اليوم هي #التبر ، قد يراها البعض رواية ولكنها في نظري ملحمة روائية نقلنا فيها الكوني إلى عالم الصحراء البهي، هذا العالم المتفرد بقساوته وقيّمه وقوانينه.
هذه الرواية مختلفة في كون بطلها مهري يدعى الأبلق وهو فصيلة نبيلة ونادرة في الصحراء، تنمو بين الأبلق وصاحبه #أوخيّد علاقة صداقة روحانية، زادت وشائجها بعدما إختلط الدم بالدم بين الجمل والحيوان، إنتقلت عدوى الجرب للأبلق من أنثى جمل ففقد لونه ولم يعد أبلقا، نصحه أحد العارفين بالصحراء أنّ عشبة أسيار تشفي المرض لكنها تسبب الجنون للجمل، رحل إلى حيث تنبت العشبة وفي الطريق نذر على نفسه أنه سيذبح جملا بدين إن شفي أبلقه.
شُفي الأبلق، أشار إليه الشيخ موسى أن يطهره من الخطيئة حتى لا يتزاوج مع أنثى مرة أخرى فالأنثى هي الخطيئة.
مرت الأيام ونسي النذر الذي نذره على نفسه، يتزوج أوخيّد بإمرأة ذات جمال رغم رفض والده وقبيلته لها، فيرحل عن القبيلة، لكن لعنات النذر والوالد والقبيلة تبقى تُلاحقه، سنوات من الجدب ضربت الواحة التي أقام بها، فيظهر تاجر ذا مال وجاه يدعى #دودو، إقترح عليه رهن الأبلق مقابل الحصول على قوت عياله، رفض لكن بإصرار زوجته قَبِل العرض، دودو لم يكن الأبلق هدفه بقدر ماكانت الزوجة هدفا له، يستمر في إستفزاز أوخيّد بإيذاء أبلقه، ولإسترجاعه طلب منه تطليق الزوجة بحكم أنها إبنة عم دودو ويعرفها منذ الصغر لكن الوالدين حالا دون زواجهما، في الأخير يرضخ أوخيّد لضغوطات دودو فيطلق زوجته ويسترجع أبلقه ويأخذ بعض التبر(الذهب) كهدية منه رغم رفضه لها في بادئ الأمر، الخبر في الصحراء ينتشر مع الريح حيث ذاع أنّ رجل صحراوي باع زوجته بالذهب فتنشب في دواخله حرب القيّم المفقودة وثورة الخزي والعار الذي ستلازمه طول حياته.
يقتل أوخيّد دودو، هنا تتجلى حكمة الشيخ موسى "لا تودِع قلبك في مكان غير السماء، إذا أودعته عند مخلوق على الأرض طالته يد العباد وحرقته".
فيختلط الدم والماء والتبر في مشهد درامي، أوخيّد سلّم قلبه
فلابدّ أن يدفع ثمن الخطيئة التي قد تكون صديق، مال، زعامة، ولد، زوجة .
الرواية تسحق خمس نجمات من خمسة لسلاسة سردها وفخامة لغتها ومتانة حبكتها وفكرتها المبهرة.
#إقتباسات
“لا تودع قلبك فى مكان غير السماء”
“مسكين من سلّم أمره لإنسان، مسكين من رهن رأسه لإنسان.”
'' فليس ثمة في الدنيا مخلوق ينافس الجمل في الصبر على الألم الجسدي. وليس في الدنيا مخلوق أضعف من الجمل في تحمل ألم القلب..''
“حقا ما أبعد أسرار الغرباء! ما أقوى الغرباء! أولئك الذي يخفون أسرارا دائما أقوياء.”
“ما أبشع المخلوق عندما يخلو قلبه من الهمّ! الحزن وحده يزرع القبس الإلهي في القلب.”
“والمجهول لا يومئ عبثا. المجهول لا يعرف المزاح. المجهول هو القدر. ولغة القدر مميتة.”
“والصحراء وحدها تغسل الروح. تتطهر. تخلو. تتفرغ. تتفضى. فيسهل أن تنطلق لتتحد بالخلاء الأبدي. بالأفق. بالفضاء المؤدي إلى مكان خارج الأفق وخارج الفضاء. بالدنيا الأخرى. بالآخرة.”
“لا يتغّرب المرء بلا سبب، حقاً أن في صدر الغريب يرقد السرّ.”
بقلم: بهاء الدين ممو
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire