آخر الأخبار
... جاري التحميل
Affichage des articles dont le libellé est قراءة في كتاب. Afficher tous les articles
Affichage des articles dont le libellé est قراءة في كتاب. Afficher tous les articles

أقلام/ المقاربة التاريخية و تعدد الأصوات في البنية السردية في رواية الديوان الاسبرطي للروائي عبد الوهاب عيساوي بقلم الروائية حميدة شنوفي

0



المقاربة التاريخية و تعدد الأصوات في البنية السردية في رواية الديوان الاسبرطي للروائي عبد الوهاب عيساوي ______________

يسوقنا التاريخ كروائيين في كل مرة نوجه فيها رغبتنا نحو قولبته روائيا، إلى وجوب التفصيل في إحدى ثغراته التي ينبغي أن يكون العمل الروائي إشباعا لها، سواء من حيث الزمكان أو الشخوص أو حتى الأحداث.

وكما يصرح عديد الكتاب الذين اتخذوا من هذه المادة الخصبة منهلا للكتابة الروائية، وجعلها مادة دسمة سهلة الهضم بالنسبة للقارئ الشغوف بالاكتشاف أو لاشباع ميلوله أو حتى لتدعيم موسوعته المعلوماتية، والمضطلع عموما بشتى ميادين التاريخ، العاشق للخوض في اكتشافها، و الراغب في استقبالها في شكلها الروائي الذي يحول دون لجوءه إلى النصوص التاريخية المملة، من دراسات و اجتهادات و كتب تاريخية تعج بالتواريخ والشخصيات والأحداث المملة.

يصرح أن العمل الروائي وحده الفضاء الخصب الذي ينبغي أن يحتوي المادة التاريخية، و أن الجهد المبذول لجعل المتلقي راضيا بما سيتذوقه داخل المتن الروائي، لا ينبغي أن يحيد عن ما تستوجبه تقنيات الرواية.
لذا يميل هذا الأخير إلى العمل الروائي كأفضل الحلول وآخرها، كما يستغل الروائي هذه الحجة لتقديم التاريخ بتشعباته وتداعياته واختلاف مصادره، و تعدد الآراء فيه، صدق المعلومة فيه من زيفها؛ منسقا في هيئته الروائية و مُتقبلا هضمه من قبل القارئ.

ورغم أن العمل الروائي لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتمادة كمرجع للمعلومة التاريخية البحتة، الا أنه لا يمكن انكار فضل الرواية في احتواء المادة التاريخية؛
فنحن نؤمن ان المادة التاريخية لا يمكن أن يليق بها سوى العمل الروائي.

إن الجهد المبذول في جعل الرواية مسرحا فضفاضا للمعومة التاريخية، مقيد الى حد ما بوجوب الابتعاد عن تقديمها بشكلها الفاضح الذي قد يحيد المادة الروائية عن صنفها، فلا يعود بالامكان اطلاق لفظ رواية على فصولها، بقدر ما ينبغي تصنيفها ضمن أصناف أخرى قد تتباين بين الدراسة التاريخية، النص التاريخي، أو البعث الحي للتاريخ من جديد في نص موازي بعيد كل البعد عن صنف الرواية، ووجوب اعتماد كافة تقنيات بناءها سواء في حركة الشخوص داخل المتن الروائي، قوة الحبكة وتأثيرها على المتلقي و اسالة لعابه لتذوقها، تأزم الأحداث و تراخيها ونهايتها، وكذا بدايتها التي لا ينبغي للوهلة الأولى اشعار القارئ وكأنه يحمل بين دفتي يديه مجرد كومة أوراق تدعو بشيء من التفصيل إلى التعرف على حقبة من حقب التاريخ فقط. وكأن اللجوء الى العمل الروائي لا جدوى منه.

وهنا وجب التنويه إلى أن إخراج المادة السردية في شكلها الحقيقي، بعيدا عن اسقاط التاريخ بكل حيثياته في العمل الروائي وجبت فيه الروية، حسن اختيار حركة الشخوص داخل المتن، وكذا الابتعاد عن أخذ التاريخ دون تمحيص مسبق ودراسة بكل تبايناتها حتى يتسنى للشخوص الحركة بأريحية، وكذا ابداء آراءهم التي قد تأخذ من شخصية الروائي حد التقييد، مسقطا إياها كراوي عليم بكل ما يؤمن ويدعو له، في ذهن المتلقي إلزاما، جاعلا من كل الشخوص وسيلة لفرض رأيه على القارئ، دون أن يترك لهم حيزا للتعبير عن أفكارهم بديمقراطية روائية يحق فيها لكل منهم المحاربة من أجل اثبات صدق آرائه، رغم تباينها، ما يجعل المتلقي هو الآخر ملزما بتحمل الاستماع الى رأي الكاتب من خلال شخوصه وعيش تأزم آراءهم.
لكن عكس ذلك ما سيفتح أمام ذهن المتلقي رغبة في اكتشاف كل شخصية على حدى، وما الذي قد تدعو اليه، والأهم طرح الأسئلة التي من خلالها إما أن يجد القارئ نفسه مستعدا لمواصلة القراءة، وإما مجبرا على ترك العمل لملل فيه أو لعدم تمكن الكاتب من إثارة رغبته في اكتشاف ما الذي قد تحمله صفحات العمل من أحداث لاحقا...خاصة إذا ما كنا أمام عمل روائي تاريخي تفوق عدد صفحاته ال400 صفحة.
وطرح أسئلة وجودية عما اذا كان لشخصية من الشخوص الحق والمصداقية فيما تدعو اليه دون الأخرى، هو المفتاح الذي يدفع المتلقي لمواصلة القراءة حتى فك اللبس، والحصول على إجابة وافية.
وهذا ما لمسناه في رواية الديوان الإسبرطي للروائي عبد الوهاب عيساوي الحائزة على جائزة البوكر لهذا العام.

إن المتمعن في الأحداث التاريخية بوجه عام والشخوص بوجه خاص في رواية عبد الوهاب عيساوي، يجعل المضطلع على جل الأعمال التاريخية يتأكد من أن الديوان الاسبرطي قد اعتمدت على التاريخ من أجل اثبات صدق المعلومة التاريخية من وجهة نظر تعددت ضمن خمس شخصيات جعلها الكاتب حرة طليقة في سرد أحداث الرواية، جاعلا من العمل الروائي التاريخي مسرحا يمكن للشخوص التحرك فيه بحرية دون ردع.

إن متلقي متن رواية الديوان الاسبرطي كقارئ، يختلف عن تلقيه كناقد، قد تذهب به خبرته النقدية إلى أبعد مما قد يصل ذهن القارئ العادي، خاصة فيما يتعلق بأحداث الرواية وشخوصها باعتبارهما العنصران اللذان قد يركز فيهما القارئ العادي قبل تركيزه في أشياء اخرى، دون أن نغفل الحقبة التاريخية التي من المتوجب على كليهما معرفة الحيز التاريخي الذي تدور فيه.
لكن ما لا يمكن عدم ملاحظته، سواء أكنت قارئا عاديا أو ناقدا في هذا العمل، هو تركيز الكاتب عمدا على شخوص الرواية دون أحداثها.
وهذا ما عمد الكاتب إلى جعله أولى أولوياته أثناء فعل السرد.
جاعلا من تلك الأصوات الخمس حسب ما ورد في هذا المتن، تتحرك في نطاق حلقي تعود بنا كل منها في كل مرة تتوقف فيها تاركة لغيرها فرصة البوح، وجاعلة منا متأكدين من أنها ستعود مرة ثانية للمواصلة عند النقطة التي توقفت فيها.

إن تباين الشخوص وتركيز الكاتب على بعثها من جديد في كل مرة تتوقف فيها عن البوح للضرورة السردية، من خلال خمس فصول كاملة تديرها خمس أصوات، لم يحد الرواية عن الهدف الذي رسمه لها الكاتب في جعلها الرواية التاريخية الأحق بحمل هذه التسمية، لذا يمكن أن نشهد له بالاحترافية في بلورة السرد تاريخيا في فترة ضيقة تجلت بأريحية سردية تعددت فيها الأمكنة، بذل فيها الكاتب جهدا ملحوظا مخططا له بذكاء في فترة أبرمت فيها صفقة استسلام سلمت فيها الجزائر طوعا لاحتلال فرنسي في زمن هو الاخر كان حافلا بالأحداث، أهمها معركة (واترلو) وخروج الفرنسيين مهزومين منها، خروج الأتراك من الجزائر ومخلفاتها، والأهم بداية حقبة جديدة للفرنسيين في الجزائر.
فنرى أن ادراج كل هذه الأحداث، هو ما فتح ذهن الكاتب لخلق أصوات خمس من منظور داخلي للشخوص، دافعت طيلة بوحها في المتن الروائي عن آراءها المتباينة، برمجت هي الأخرى إلى ثلاث أصوات عامة: شخصيتان فرنسيتان، شخصية عثمانية تتأرجح بين الولاء للاتراك والفرنسيين، وشخصيتان من عامة سكان المحروس، من منظور خارجي تتحكم فيه الفترة الزمنية التي تناولتها الرواية والمتجسدة بين العهدين العثماني والفرنسي على الجزائر.

إن تعدد الأصوات التي جعل منها الكاتب العنصر الأكثر فاعلية في الرواية، والتي قد تتباين فيها الآراء بين معتقد من أنها إحدى أسباب ضعف المتن الروائي و تلاشي عنصر التشويق، باعتبار أن لا جديد تأتي به الشخوص بل هي ذات الفكرة التي ستطرح من وجهات نظر مختلفة.
وبين مأكد ومؤمن من أنها العامل الأول في بناء هندسة محكمة لأحداث الرواية، والتفصيل بشيء من الحداثة في السرد الروائي لا نرى له تواجدا عند عديد الكتاب حاليا.
فنجد أن الديوان الاسبرطي، هذه الرواية التي حملت عنوانا مستفزا ذهن القارئ لضرورة دراسة هذا العمل واكتشاف علاقة العنوان بمتن الرواية، خاصة أن لا تاريخا قد يَبني علاقة بين الجزائر واسبرطة؛ المدينة اليونانية المؤسسة خلال إحدى حقب التاريخ قبل الميلاد، مستفزة مرة أخرى ذهن المتلقي لضرورة دراسة تحرك الشخوص و تأثير تعدد أصواتهم على البنية الحكائية للعمل، فنجد أن كثرتها وتباين النزعة الذهنية لكل منها قد حقق نوعا من الديمقراطية في الآراء فنجد:
(صوتان فرنسيان متباينان و متقاربان في الآن ذاته، ديبون: الصحفي المدافع عن القيم الانسانية حتى ضد بني بلده، كفيار: المخطط الفعلي لحملة الاحتلال الفرنسي على الجزائر.. هذا فضلا عن ثلاث اصوات متبابنة بين الصوت التركي و الجزائري، متجسدة في ابن ميار: المخلص للسلطة التركية من جهة و السلطة الفرنسية من جهة أخرى، و حمة السلاوي: الوطني المدافع عن وطنه مهما كانت الظروف..إضافة الى الصوت النسوي الوحيد في الرواية والمتمثل في البغي دوجة)

إن حركة الشخوص داخل المتن الروائي لرواية الديوان الاسبرطي والمدرجة بشيء من الترتيب الفاضح أثناء بوحها، يجعل الرواية وكأنها سرد بالأولوية، فنجد الشخوص الخمسة ((ديبون كفيار ابن ميار حمة السلاوي و دوجة)) في تناوب واضح على السرد بما يطلق عليه بتعدد الرواة، فرواية الديوان الاسبرطي لم تعتمد على راوي واحد عليم، و إنما تعدد فيها الرواة في بلورة فترة من فترات تاريخ الجزائر .

إن تغليب الكاتب لشخوص الرواية وتفضيل أهميتها قبل تفصيله في الأحداث، وإعطائها القيمة الأكثر بروزا في العمل، ونحن نعلم أن الرواية التاريخية وجب فيها اعطاء أولوية غير مبالغ فيها للحدث التاريخي على حساب الشخوص، يجعل من العمل رغم أن لهذه الاخيرة (الشخوص) الفضل في مقاربة الحدث التاريخي من ذهن المتلقي وجعله أكثر مرونة وقابلية للاستيعاب عملا يحسب للكاتب في مساره الروائي، باعتباره عملا متفردا عن باقي الأعمال التاريخية التي كتبت قبل هذا العمل.
في انتظار أعمال أخرى تثبت ما اثبتته هذه البنية الروائية من تمكن سردي تاريخي متكامل.. والا ستبقى الديوان الاسبرطي الرواية الوحيدة المستحقة لحمل لقب الرواية التاريخية المتكاملة بكل ما تحمله التسمية من معنى.

حميدة شنوفي

أقلام/ قراءة في رواية ( عازب حي المرجان ) للروائية الجزائرية ربيعة جلطي، بقلم غريبي بوعلام

0



قراءة في رواية ( عازب حي المرجان ) للروائية الجزائرية ربيعة جلطي.

بقلم غريبي بوعلام______________________

عازب حي المرجان أو ( زبير كروفيت ) هو بطل الرواية، صاحب جسم ضئيل مشوه، ضخم الرأس، بذراعيين طويلتين، و كفين غليظتين، كأنهما ورقتي الصبار المشوكة، أطلق عليه أصدقاؤه أسم زبير كروفيت ( crevette بالفرنسية ) ( الجمبري بالعربية ) بسب جسمه النحيل و الضئيل جدا نسبة إلى قشرية الجمبري البحرية صغيرة الحجم ذات أذرع طويلة كذراعي زبير، من جهة أخرى لُقِب كذلك كناية و تلميحا من أصدقائه لعضوه الذكري وهم يراهنون على أنه ضئيل جدا وشبيه بالكروفيت.

الشخصية الثانية المحورية في الرواية، هو عباس تشي أو عباس تشي غيفارا، نسبة إلى ذلك الثوري المعروف، هو صاحب بنية جسدية قوية، جميل، ومفتول العضلات، هو عكس صديقه الحميم زُبير الذي يبدو دوما متأثرا به جدا إلى أن صارت صداقتهما متينة وتزداد قوة منذ أن كانا في مقاعد الدراسة و هم صغار.

الشخصيات الثانوية تتمثل في : محند، مصطفى ، و يحي، و هناك العنصر النسوي، نبية و سكينة الروخة و مرلين منروو التي سيكون لها دور تخيلي في الرواية مع زُبير، إلى جانب شخصيات نسوية وهمية أخرى وبأدوار ثانوية

الكاتبة طرحت في هذه الرواية موضوعا نفسيا و اجتماعيا، وحضاريا، حاولت معالجته في قالب روائي أدبي، من خلال تحريك شخوص روايتها في أحداث متواصلة، و تحليل ما يدور في أعماق أبطالها من مشاعر و أحاسيس و أفكار و صراعات داخلية تصل في بعض المواقف إلى ذروة توترها و مأساة خانقة. طوال السرد الروائي تعطينا مؤشرات تلك العقدة النفسية التي كان يعاني منها زبير كورفيت، عقدة نقص سبّبها له جسده المشوه الذي وجد داخله ولا يد له في ذلك . السبب أنه وُلد هكذا، و عندما كَبر أصبح يرى و يعي تلك التشوهات الظاهرة على جسده، زد على أنه وحيد والديه، لا أخ و لا أخت له، و ربما هذا من أسباب توقف والديه عن الإنجاب مرة أخرى خوفا من مولود أخر مشوه، كل هذا جعله يتمسك بصديقه عباس تشي غيفارا صاحب الجسم القوي الطويل العريض المتين و الجميل الذي كان يرى فيه الكمال الجسدي الذي ينقص جسده. منذ أن كانا تلميذين في المدرسة كان يحميه من الذين كانوا يحتقرونه و يضربونه بينما هو لا حول له و لا قوة في الدفاع عن نفسه، فصار يحبه و تعلق به إلى درجة أنه يتألم اذا ما غاب عنه طويلا. أحسنت الروائية في جعل ذلك التقابل بين شخصية عباس و زبير، و لفت الانتباه إلى تلك المفارقة النفسية و الجسدية، الظاهرية و الباطنية لبطلي رويتها، نلمس جيدا ذلك النقص الذي ينخر أعماق الزبير و كيف ينهشه من الداخل، إلى أن صار لديه ما يسمى بالشخصية الانطوائية التي تعتزل الناس وتنكمش في برجها العاجي و تعيش في عالمها الداخلي و لا تحاول التواصل مع الخارج إلا ناذرا. رغم ذلك النقص، إلا أن الزبير يتمتع بكل قواه العقلية، بل فيه من الذكاء ما يجعله يتفوق على الكثير من زملائه، هو أستاذ اللغة و الأدب العربي و عاشق كبير للأدب الروائي، كان ينفق نصف راتبه الشهري في شراء الروايات التي يقرأها بنهم إلى أن تكوّن لديه مستوى ثقافي راق لم يصله الكثير مِن مجايليه ، إلى أن وجد صدى حالته النفسية في شخصية أبي العلاء المعري ( رهين المحبسين، العمى و العزلة ) ذلك الكفيف الذي عرف كيف يتغلّب على عاهته بأن صار ذلك الشاعر الفيلسوف، هكذا صار قدوته، و بهذه الطريقة عوض نقصه الجسدي بفكره النيّر وثقافته الواسعة و خياله الخصب.

أثناء السرد الروائي، يعود زبير بذاكرته إلى الوراء، و تقص لنا الروائية على لسانه بعض ذكريات صباه و مراهقته، ذكريات تثبت لنا أسباب شعوره بعقدة النقص، ومنها استهزاء بعض أصدقائه به حين شبهوه بالكروفيت، حاول التظاهر باللامبالاة ، لكن الأمر أثار غضبه حين علم بتلميحهم إلى أن عضوه الذكري، صغير كحجم الكورفيت الصغيرة، شعر بأن ذلك انتقاص من ذكورته و فحولته. الأمر الذي جعله كلما خلا إلى نفسه في بيته ينزل سرواله ليتأمل عضوه في المرآة إلى أن يحدثه في بعض الأحيان بصوت مرتفع، تتجاذبه مشاعر متناقضة. هنا تلمّح الكاتبة إلى هيمنة العقلية الذكورية المسيطرة في المجتمع التي يربطونها بالعضو الذكري و ليس بمعايير الرجولة الكامنة في خصاله كإنسان . ذات مرة وبينما أصدقاء زبير كانوا متواجدين في بيته كالعادة، وفي لحظة جنون ، صعد فوق الطاولة حين شعر أنه لم يعد يتحمل سخريتهم منه، فأخرج أمامهم عضوه و تحداهم جميعا أن يقارنوه بأعضائهم الذكورية، لكن لا أحد منهم تجرأ، بل تعجبوا من فعلته، حينها شعر ببعض الهدوء في نفسية المضطربة وكأنه استرجع كرامته المهانة، وهو يشهر في وجوههم عضوه ليتأكدوا أنه ليس بحجم الكروفيت كما كانوا يعيبونه، نلاحظ من خلال هذا السلوك كيف يقاوم زبير شعوره بالنقص و كيفية تغطيته و معالجته، من حين لأخر بإظهاره أنه سوي و قوي و هو في أوج صراعه النفسي الرهيب.

من حين لأخر تأتي إلى بيته ( سكينة الروخة ) امرأة تنظف له البيت و تحضر طعامه، فقد كان وحيدا و معزولا، و هي امرأة مطلقة طردها زوجها من البيت، كانت تعمل بالمدرسة التي يعمل بها كطباخة، كان زوجها السابق يضربها لأنها لم تنجب وظنا منه أنها عاقر، و عندما أثبتت لزوجها بالتحاليل الطبية أنه بإمكانها أن تنجب وأن العيب فيه وعليه أن يستشير طبيبا ، ضربها ضربا مبرحا ثم طلقها و طردها من البيت وأهانها، هنا تعود فكرة سيطرة الذكورة في مجتمعنا فلا يتقبل الرجل أن يقال له أنك أنت سبب عدم الانجاب و إن كان هو السبب، لأن الموضوع له علاقة بالعضو الذكري، و كان لسكينة الروخة علاقة جنسية مع زبير أثبتت أن له قدرة على اجراء علاقة جنسية مع أنثى . و رغم أنه كان طيبا معها ومشفقا عليها فلم تدم سعادته معها إذ جاء يوم فلم يجدها في البيت كالعادة تفتح له الباب ورائحة الأكل تفوح في أركانه. هجرته إلى غير رجعة.

عندما أعجبته جارته ( نبية ) أراد أن يخطبها لم يذهب إليها مباشرة و يعرض عليها فكرة الزواج، بل كان يراقبها من النافذة الصغيرة التي في مرحاض بيته، من حسن حظه أن بيته في عمارة مقابلة بيت أهل نبية، هكذا كان يراقبها و يحاول التعرف عليها حين تطل من شرف المطبخ خاصة أيام الجمعة، كان يتمكن من مراقبتها و هي تقوم بأشغالها في المطبخ، هكذا تمكن من إرسال من يخطبها له دون أن يراها عن قرب إلا مرة واحدة في مصعد العمارة و لم تكن له فرصة أخرى ليتحدث معها كي يتم التعرف عليها جيدا. في يوم الخطبة في بيت نبية وهو محاط بأبيها وأمها وأفراد عائلتها وهم يطيلون النظر إليه ، كان محرجا جدا فلم يخلع قبعته التي تخفي رأسه الكبير و لا معطفه الطويل الذي يخفي جسم النحيل و ذراعيه الطولتين، تسيطر عليه حالته النفسية المضطربة تلك التي تظهر على سلوكاته في الحياة، خاصة عندما يتعلق الأمر بعلاقته مع الآخرين. إنها شخصية لا تريد الخروج من قوقعتها الموصدة، و طوال السرد الروائي تلتقط الروائية هذه اللقطات السلوكية، تثبت لنا هول الاضطراب النفسي الذي يعاني منه زبير، و تحلل بذكاء شخصيته من خلال ظاهر تصرفاته لتلج إلى باطنه مهزوز الأركان، و كأنها تستعمل نوع من التحليل النفسي الذي تنتهجه المدرسة السلوكية.

على جدران غرفة نوم زبير توجد صور عديدة لفنانات غربيات فاتنات، منها ( ماريلين منروو ) التي فُتِن بجمالها الساحر إلى أن عاش معها قصة غرامية، كان يراها تزل إليه من الصورة المعلقة، تجلس بقربه يتبدلان أطراف الحديث، رغبت مرة في تناول كأس خمر معه و لا يوجد عنده في البيت هو الذي لم يتناوله من قبل ، فنزل إلى الشارع و اشترى زجاجة خمر، في البيت تناولا سويا بعض الكؤوس، كان يعيش هذه اللحظات على أنها حقيقة لا غبار عليها، و يشعر بسعادته المتخيلة و يحياها بوجدانه رفقة تلك الفنانة المعلقة على الحائط، كانت لحظات راقية الإحساس رفيعة المشاعر، التي لم يجدها لا مع سكينة الروخة و لا مع خطيبته نبية و هن نساء حقيقيات و واقعيات، هذا السلوك يؤكد أكثر و أكثر مدى انطواء شخصيته و انفصالها الكلي عن العالم و الحقيقة الواقعية، إنه مبتور عنها بقوة بعد أن لفظه المجتمع، بسبب صورته أو ربما خيل له ذلك إلى درجة أنه لم يتمكن من فرض نفسه في الواقع.

عباس تشي أو تشى غيفارا، شخصية منفتحة على العالم و الواقع رغم اضطراباته النفسية التي سببتها له مقتل والديه أثناء العشرية السوداء من طرف التطرف الإسلامي، إلا أنه عرف كيف يخرج من محنته تلك بعدم استسلامه لها، حيث عمل في البحرية كبحار، قضى معظم حياته في السفن على سطح الماء، هذا ربما ما مكّنه من الهروب من مشاكله النفسية إلى شساعة البحار و المحيطات، حيث تمكن أن يغرق فيها أحزانه و همومه التي كانت تعصره من الداخل، كان يقضي أياما طويلة على متن السفن و لا يعود إلى مدينته إلا قليلا، حينها يلتقي بصديقه الوفي زبير كروفيت، تمكنت الكاتبة من جعل ذلك التقارب بين الشخصيتين بعد أن وصفتهما أثناء سردها من خلال سلوكهما، و كيف أثّر عباس كل ذلك التأثير الإيجابي إلى أن يشتاق إليه زبير كلما طال غيابه عنه، كان لا يشعر بكماله وتوازنه إلا و هو معه. تدرّج عباس في عمله في البحرية و دخوله في عوالم أخرى إلى أن صار وزير الشؤون البحرية، و عرض على زبير أن يخرج من قوقعته الموصدة، و يترك التدريس و الأدب ليدخل معه في عالم الشهرة و الأموال، إلى أن عاب عليه اهتمامه الكبير بالثقافة و الأدب، هنا نرى كيف ينظر رجال الأعمال و الأموال إلى كل من يهتم بالفكر و الثقافة بصفة عامة، و مرة دعاه إلى حضور عُرس ابن القبطان الذي يعمل معه، فاستجاب للدعوة و ذهبا سويا إلى العاصمة في سيارة فخمة أدهشت الزبير من فخمتها التي لم ير مثلها في حياته، لكن خلال الطريق من وهران إلى العاصمة كان زبير يشعر بوخز في صدره بألم في قلبه وضيق التنفس أحيانا ، وأثناء العُرس دعاه إلى المنصة و هو متخفي في معطفه الطويل و قبعته الكبيرة كالعادة كلما اضطر إلى مقابلة الناس، في البداية رفض الصعود إلى المنصة، و بعد الإلحاح عبر مكبر الصوت صعد المنصة و احتفل به عباس و قدمه لجمهور المدعوين الواسع والمنتقى من علية المجتمع، وكان الإعلان عن تنصيبه كوزير للشؤون البحرية وفي نفس الوقت قرانه على حبيبته التي كان يعرف الزبير علاقته بها منذ زمن طويل، حيث طلب منه أن يرقص تلك الرقصة الجميلة التي كان يرقصها زبير حين كانوا يجتمعون لمراجعة الدروس في شقته، في البداية تردد لكن تحت الإلحاح استجاب زبير، بعد أن رمى قبعته و معطفه الطويل، و أخذ يرقص، كان هدف عباس أن يحاول إخراج الزبير من حالته النفسية المزرية و يدخله في عالمه شاسع الشهرة الواقعي جدا جدا، لبى زبير نداء صديقه رغم الألم في صدره وضيق التنفس الذي كان يشعر بازدياد حدته . رقص على إيقاع أغنية جزائرية مرحة معروفة رقص عليها الكثيرون و اشتهرت قبل دخول البلاد في مأساة العشرية السوداء.. رقص زبير بكل جهده ليكون عند حسن ظن صديقه عباس التشي لكن ما لبث أن ازداد ألم صدره خارت قواه و تغير لونه و شحب وتوقف قلبه فسقط أرضا بعد أن قتله قلم الروائية بكل برودة أو ربما شفقة عليه لتضع حدا لمعاناته النفسية التي دامت طويلا.

أثناء جنازة زبير حضرت سكينة الروخة، لاحظ بعض الناس أنها برفقة طفل صغير له نفس تشوهات زبير المرحوم، في هذا إشارة إلى أن الزبير كانت له القدرة الجنسية على الانجاب تماما كما أن سكينة التي اتهمها زوجها بالعقر وطلقها لعدم قدرتها على الإنجاب ، من جهة أخرى هناك تلميح إلى وجود مورّث جيني في دم زبير انتقل إلى ابنه غير الشرعي، و ربما هذا سبب عدم انجاب والديه لأكثر من طفل واحد خوفا من ذرية أخرى تحمل نفس التشويه الخَلقي، حتى جده المجاهد لم ينجب إلا والده، ربما في هذا التشوه المتوارث تلميح سياسي وتاريخي ترمي إليه الروائية، في الحقيقة الكاتبة لم تقتل بطلها لأن بذرته التي غرسها و هو لا يعلم أنها خرجت للحياة، تُرى كيف تكون حياة ( زبير الصغير ) هل تكون صورة طبق الأصل لحياة والده المرحوم، أم لجده أم لأب جده الأول المجاهد، هل سيتغلب على محنته المستقبلية؟ مع العلم أنه بلا أب و هو غير شرعي مجهول النسب من امرأة مطلقة. هنا الروائية تطرح هذا السؤال على القارئ بأسلوب غير مباشر، تترك القارئ يتخيل نهاية أخرى أو ربما مشروع رواية أخرى كتتمة لعازب حي المرجان، خاتمة الرواية كانت مدهشة كثيرا لأن القارئ لم ينتظرها، جعلته يطرح الأسئلة التي تنشّط خياله.

كعادتها الروائية ربيعة جلطي لا تجعل القارئ الذي يبدأ قراءتها لها يترك روايتها إلا بعد أن يفرغ منها، تعرف كيف تجعله يعانق روايتها و يضمها إلى صدره، لتربطه بحبال تشويقها التي يجد صعوبة كبيرة ليفك نفسه منها، كما عرفت كيف تجعل في هذه التحفة الفنية رسائل مشفرة تبدو بسيطة إلا أنها في حقيقتها عميقة في معانيها الخفية، تنتظر فكرا نيرا من ناحية القارئ، ليفك رموزها المبثوثة في لوحتين فنيتين، لوحه نفسية اجتماعية و لوحة فلسفية وتاريخية ، عرفت كيف تجمع بينهما بحرفية أدبية راقية و ذكاء فني جميل.

---------

غريبي بوعلام / الجزائر.

أقلام/ قراءة في رواية "تلمود نرت" للكاتب والفنان التشكيلي مسينيسه تيبلالي بقلم الكاتبة حميدة شنوفي

0




قراءة في رواية "تلمود نرت" للكاتب والفنان التشكيلي مسينيسه تيبلالي: __________________________________

______________________________________________________



عن الكاتب:
ماسينيسه تيبلالي، الكاتب والفنان التشكيلي الجزائري، ابن مدينة بجاية، الحائز على جائزة أربوست العالمية للفن التشكيلي لمرتين على التوالي، و رغم ولعه الشديد بالفن التشكيلي وقدرته الفائقة على استنطاق الريشة والأوان، وبعد الأعمال المميزة التي بتنا نراها على صفحات حسابه، ومعارضه العديدة، على غرار لوحة "وجها لوجه مع العالم" و الحائزة على ذات الجائزة لسنة 2018، وبعد أن أخذنا في رحلة مع سحر الألوان وشبقها كفنان تشكيلي ناجح، يأخذنا هذه المرة ككاتب في رحلة مع القلم مروضا وحشية هذا المتمرد الذي يصعب في زماننا هذا على العديد من الكتاب ترويضه، ليكتب رواية أقل ما يقال عنها أنها في مثل غموض وشبق ما عودتنا به ريشته.

عن الرواية:
إنه ماسينيسة تيبلالي الذي خلق من التاريخ والأساطير و الملاحم والخيال رائعته " تلمود نرت" الصادرة سنة 2017 عن دار الجزائر تقرأ " الجزائر" إضافة إلى نسختها المصرية الصادرة عن دار ببلومانيا للنشر والتوزيع دولة "مصر العربية" ويأخذنا من خلالها إلى عوالم تتحكم في الجسد، تتستحوذ على القلب، تتمرد على الذاكرة وتطاوع الروح، فتبرمج ذواتنا لرحلة يصعب العودة منها قبل إنهائها...وهذا ما حدث معي حتما..
عندما بدأت في قراءة هذا العمل، أين كان ضمن قائمة مشترياتي من سيلا العام المنصرم، إضافة إلى أنه كان ضمن قائمة قراءاتي، بعد أن عرفت عن كونه عملا تاريخيا اعتمد فيه كاتبه على كم هائل من المخطوطات، بعد تكبده عناء البحث والتنقيب عنها في مختلف متاحف المعمورة، والاجتهاد في ترجمتها بنفسه، وهذا ما يحسب له جهدا يضاف إلى جهوده المبذولة في تأثيث هذا العمل عنوانا وفحوى من مصادر متفرقة أخذت منه الوقت والجهد والذهن الصافي، فعادة أعمال كهذه وجب فيها التريث، البحث المستمر والتفكير بجدية، في كيفية جعل مخطوطات وأحداث تاريخية موثقة على هيئة رواية يسهل على المتلقي استقبال كم الأحداث التاريخية فيها بسلاسة، ناهيك عن جعل الرواية في قالب فنتازي خيالي حتى يبعد حيثياتها عن رتابة المقالات التاريخية والحقائق المكتظة أحداثا وتواريخ وشخصيات، رغم أن العمل كما نوه عنه كاتبه، ليس بمرجع تاريخي يمكن أخذه كمصدر إلا أن كم المعلومات المدرجة فيه وكذا كم الألفاظ المنتقاة فيه بعناية تنم عن ملكة الكاتب الواسعة من ثراء لغوي، وقدرة فريدة في التلاعب بتقنيات السرد لتنسيق هذه الأخيرة وجعلها في القالب الذي لمسناه ونحن نقرأ تلمود نرت، لذا يمكن اعتباره مرجعا لغويا ضخما بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ناهيك عن ترسانته الضخمة من المعارف المكتسبة سواء في السياسة والدين والأساطير والملاحم وغيرها، وهذا ما يؤكد سعة ورحابة صدر الكاتب لجعل القراءة والبحث مادته الخام التي يكتب من خلالها كل أعماله.
الكاتب أو إن صح القول؛ الفنان التشكيلي ماسينيسه تيبلالي، أدرج كما هو معلوم ريشته في حضم ما كان يخوضه قلمه في معترك البحث والتوظيف وإدراج المعلومات التاريخية وبلورتها في القالب التاريخي لرواية تلمود نرت، فنرى كم التلاعبات بالمعاني ونسق الكلمات والبذخ الظاهر في كل سطور الرواية، وكأنها ريشة فنان مليئة بالألوان لا تخطئ وجهتها مهما حدث، فكنا وكأننا نشاهد لوحة فنية على ركح إحدى المعارض في زمن غابر أقل ما يقال عنها أنها ممزوجة بالأسطورة والفنتازيا والعوالم الغرائبية المبلورة في عصر من العصور، أين قولبه الكاتب في فترة من فترات حكم الاسكندر المقدوني على مصر وأوجها ازدهارا، وبالمقابل سقوط ممالك الفرس الأخمينين، متمكنا من الاستحواذ على كافة أدوات الرواية والتمكن من تقنيات السرد.
 جمالية العنوان:
أما العنوان فهو نتاج كما يقول الكاتب عن أن للديانة اليهودية تلمودان، تلمود بابل وتلمود أورشليم، في حين يزعم الكاتب على لسان أحداث روايته وشخوصها، أن هناك تلمودا ثالثا ألا وهو تلمود نِرت، جاعلا من هذا العنوان معتركا لعديد التخمينات حول ما يمكن أن يندرج تحت هذا العنوان الملفت، ونرت هي فتاة سارت أحداث الرواية بوتيرة متباينة بين وصف ما عاشته هذه الشخصية وما ستحدثه، وبين الأحداث التاريخية التي جعلنا الكاتب نستمتع بالمرور عليها بما يكتنفها من غدر وظلم واستعباد وحروب ونزاعات، بملوكها وولاتها وساستها وعامة الناس فيها، وحتى بصحاريها التي كانت مصرحا تراجيديا لأحداث وثقتها هذه الرواية على لسان الراوي العليم جاعلة زمكانها و شخوصها يلعبون أدوارهم التي رسمها الراوي باحترافية، وكأننا أمام فسيفساءٍ يمتزج فيها التاريخ بالفنتازيا والأساطير وكذا بالملاحم والاوديسات والالياذات و الارواح النورانية، تفنن الكاتب في جعل ألوانها تسر الناظرين للقراءة دون توقف.
عندما بدأت تلمود نرت قبل مدة توقفت مرتين قبل أن تكون الثالثة آخرها، و السبب أن تلمود نرت كما يجمع قراؤها لا يمكن أن يُستمتع بتذوقها إلا بذهن صاف وقدرة على الاستيعاب حتى تعطى كامل حقها، وهذا ما حدث معي إذ أني أردت أن تكون الرواية أولى اهتماماتي في فترة قراءتها.
فهرسة الرواية:
الرواية كما فهرسها الكاتب مدرجة في أربعة فصول عنونت بأسفار الكتاب وتضم :
سِفر الجسد ، سفر القلب، سفر الذاكرة ،فسفر الروح، ثم ومما جعل القراءة سلسة تخلو من الرتابة والملل؛ تقسيم فصولها إلى عناوين فرعية بلغت في مجملها 33 فرعا، فتكون وأنت تقرأ الرواية وكأن عنوان كل فرع يدفعك لاكتشاف ماذا يخبئ الكاتب خلف تلك المقولات والحكم.
انتهت الرواية عند الترقيم 536 وفي كل صفحة من صفحاتها بلورة شهية لأحداث تاريخية في زمكان متباين بين الحاضر والمستقبل، بين أزمان غابرة وزمننا الحالي، مشبعة ببهارات ملكة الكاتب الذكية في تحريك الشخوص وجعلهم يثيرون خيال القارئ للسفر في رحلة مجانية لذيذة إلى صحراء مصر وكثبانها الذهبية، وتحت كل سفر من الأسفار المدرجة سَفر الى عوالم تأخذ بذهن القارى كلٌ حسب سعة و فضاء خياله إلى مجهول مثير، صفحات تخلو من عنف الرتابة التي بذل الكاتب جهدا رائعا في جعلها غير ظاهرة للعيان، وأنت تعتقد قبل قراءة العمل أنه تاريخي بحت تكتنفه المعلومات التاريخية المملة، فجعلنا الكاتب حقا نعيش خيالات مستفزا إيانا لمواصلة القراءة دون توقف، وهذا ما يحسب له تقنية فريدة يصعب على عديد الكتاب امتلاكها، فتجد أن السطحية رغم كون الفكرة شهية طاغية على العمل فلا تستطيع اكمال العشر صفحات الاولى حتى تغلق الكتاب، فما بالك ب536 صفحة في تلمود نرت و التي استطاع الكاتب تحفيزنا على قراءتها دون كلل أو تماطل أو ركود.
وحتى لا أحرق أحداث العمل، لم استرسل في وضعها أمام قارى قرائتي هاته، ناصحة كل من له هوس بالتاريخ وبكيفية اشباع ثغراته، وتوظيف الخيال والفنتازيا كما هو حالي أنا، أن يتذوق هذه المخطوطة النادرة، مؤكدة على رحلة مجانية يأخذنا فيها الصديق ماسينيسه تيبلالي إلى حيث الأساطير والبرديات الغامضة والكائنات النورانية في الأزمان الغابرة، حيث لن تفكر بالعودة بعد ما ستلقاه من سحر القلم والريشة الممتزجتان بين أنامل هذا الكاتب، واللتان زاوجتا بين المداد والألوان، بين شبق الكلمات وتعرجات الريشة، بين سطوة القلم و تلاعب الكاتب بريشته، بين الشعر والنثر، والأهم بين الواقع والخيال.

مني، حميدة شنوفي أسمى عبارات التقدير و الثناء على الجهد المبذول في هذه الرواية التي استمتعت بقراءتها، محققة هدف الكاتب في جعلي أسافر حقا إلى حيث يمكن للزمن أن يتوقف،  كما يمكن للحقيقة أن تكون ضربا من الخيال.


أقلام/قراءة في القصة القصيرة ( رحيل سعيد ) للقاصة فايزة زاد بقلم القاص غريبي بوعلام

2





قراءة في قصة قصيرة ( رحيل سعيد ) للقاصة فايزة زاد من الجزائر.

----------

رحيل سعيد

// رفساته لا تكاد تشفى من على جسدي، كلما يدخل مساء عائدا من عمله، يمر على والدته توشوش له في أذنه فيحتسي سيول الغضب دفعة واحدة ويترجمها بالنط على جسدي النحيل حيث اكون، حتى و انا أحمل في احشائي بذرة خطيئتي معه، حتى وهذا البطن يعصي أماني الشغوفة لهزال اتوقه ولو عن طريق النزيف، اقبل أن أنزف وينتهي ما يربطني به...حتى لو اموت معه على ألا يطول عهد العبودية ها هنا... لولا التلفزيون الذي تصدر منه حكايات تثبت عكس ذلك... وتخدر رغبتي في الهروب من غار الغولة لفقدت عقلي...

لقد فقدته عدة مرات، وهمت خارج البيت لساعات طوال، وعندما كان يحل الظلام اعود صاغرة لرفسه المجنون...ثم آوي إلى فراشي و أتكوم به مخدرة وزاهدة في جسد ليست لي سلطة عليه، جسد يتوق لرفض الخضوع ولو مرة واحدة، أحس بها أنني امرأة يمكنها أن تقرر شيئا ولو كان تافها، لكنني دائما أجبر...أجبر حتى على أكل أشياء لا أحبها، إذ لا يمكنني سد جوعي متى رغبت أنا... و إنما بعدما يهجرون الطاولة، فلا أعثر حتى على بقاياهم، وبقاياي أنا ستبقى هيكلا لا يخيفهم، بل أحيانا يبعثهم على الضحك، وهم يختارون لي ما البس كل عيد...تتوكأ أمه على عكازها اللعين وتخرج لتمثلني في الشراء، ولتمنحني وجبة لمجالس الساخرين...وصبيحة العيد رحت أصاعد مع ذنوبهم ارتقي للسموات العلى، طلقة المحيا أرفرف بأجنحة الخلاص، أخيرا أهدتني إحدى رفساته الموت الرحيم (بالنسبة لي ولبعض مشيعي جنازتي... _ والله ريحت.. ) الراحة التي كنت أنشدها.

----------

كنت قد كتبت قراءة من مدة قصيرة للقاصة فايزة زاد عنوانها ( فروض الطاعة ) طرحت فيها موضوع ظلم الزوجة لوالدة زوجها، في هذه القصة طرحت نفس الموضوع لكن من جانب أخر، ظلم والدة الزوج لزوجته، كأن للقاصة مشروع أدبي قصصي، تطرح من خلاله تلك المشاكل العائلية التي تنخر الأسرة من الداخل و لا أحد يحاول أن يعري هذا الموضوع، أو يكتب و يبدع فيه، لهذا أرى أن للقاصة جرأة في طرح هذا الإشكال الذي يلفه الخفاء في دُرج الكتمان، و أقترح عليها أن تواصل في معالجة كل الجوانب المرتبطة بهذه المواضيع الاجتماعية الأسرية في قالب قصصي أدبي جذاب.

استعارت القاصة لسان بطلتها، لتقص لنا تلك الدراما، بلا مقدمة جعلت القارئ في قلب الحدث، غمسته فيه إلى قمة رأسه، بداية من ذلك الرفس الذي غرس المرض على جسد البطلة، و لا أمل لها من الشفاء منه، كان سبب تعاستها تآمر زوجها مع والدته عليها، بمجرد عودته من عمله توشوش له في أذنه كما يوسوس الشيطان للعباد بالسوء و المنكر، لتجعله كقنبلة غضب ليفجّر باروده في زوجته بالرفس و الركلات القوية على جسدها النحيف و بطنها المنتفخ بالمولود الذي ينتظرانه، مع أنها زوجته إلا أنها تمنت لنفسها الموت و لجنينها، كي تنجو بنفسها من ذلك التعذيب و القهر و العبودية، و تتخلّص من بذرته في أحشائها التي كانت تراها كالخطيئة التي يجب التخلص منها بالإجهاض، رغم بعض الهواء النقي الذي ينعشها و هي خارج جحيم البيت، إلا أنها تعلم ما ينتظرها مع عودة الزوج، كل مساء نفس القصة تتكرر إلى أن كادت أن تكون عادة، و تواصل القاصة في سرد جحيم البطلة على لسانها، بالتلميح إلى معاناتها الجسدية على فراش الزوجية، و الفُتات الذي يحسدونها علية و يحرمونها منه، و كيف يعايرونها و الضحك على حالتها المزرية التي تقطع القلوب، في الأخير تختم القاصة ذلك برفسة قوية جعلت البطلة تصعد روحها إلى خالقها، التي رأت فيها رحمة أو هدية من السماء.

كان يمكن لهذه القصة القصيرة أن تكون رواية، لكن القاصة بذكائها الإبداعي عرفت كيف تختزلها و تختصرها في بعض السطور، دون أن تخل بعمق تلك القصة الطويلة المضغوطة في هذا السرد الأدبي القصير، كانت تعطي للقارئ نوع من التلميحات أو الومضات ( الفلاشات ) البارقة التي شيّدت بها صرح قصتها التي توحي للقارئ بأحداث أخرى يمكنه تخيلها، لها علاقة مع الفكرة الجوهرية للقصة، كأن القاصة كانت تفتح شهية التخيّل عند القارئ الحصيف، و تجعله يتخيل معها و يشاركها ما يجول في خاطرها و هي مع مخاض قصتها، إنها دعوة خفية من القاصة للقارئ ليشاركها ليس بالقراءة فقط بل حتى بالإبداع و الكتابة، من قوة امتزاجه و تفاعله الكبير مع أحداثها الدرامية المؤلمة، ربما يتساءل القارئ كيف ذلك، إنه احساس عميق مبثوث في ثنايا القصة، يجد القارئ الموهوب صداه في أعماقه إلى درجة أن يلهمه بالكتابة في نفس الموضوع بأسلوبه الخاص و حسب الصور المنطبعة في خياله، كل هذا راجع إلى ذلك التكثيف الرائع مع حسن استعماله بحرفية راقية، و هو يحمل في طياته رسائل مشحونة على أجنحة إيحائية، تخترق وجدانه دون إذنه و تفعل مفعولها في أعماقه كأنه أحد أبطال القصة.

لا نجد صور بيانية كثيرة في هذه القصة إلا اثنتين، الاستعارة في قولها ( فيحتسي سيول الغضب ) لتظهر لنا شدة غضب الزوج ،و الكناية في قولها ( غار الغولة ) هو بيت والدة زوجها و ما تحمله كلمة ( غار ) من إيحاء بالظلام، كذلك كلمة ( الغولة ) و ما تحمله من ظلم و تغوّل، و سبب ذلك راجع إلى اهتمام القاصة بسرد الأحداث المؤلمة التي أثقلتها من الداخل، كانت تريد التخلص من وطأة ذلك الوخز الروحي، كانت تمارس نوع من التفريغ النفسي على الورقة البيضاء عبر قناة القلم إلى أن تشابها حبرها بالدمع.

بطلة القصة اتسمت بكثير من السلبية، كبلها الخوف الشديد إلى أن شلّها كليا، حتى القاصة لم تجعلها ترد أو تدافع عن نفسها ولو قليلا، كأنها تعمّدت اسقاط كل أسلحة الدفاع عن نفسها ولو باللسان، رسمت لها تلك النهاية المأسوية في ذهنها من البداية، لتنتهي بموتها التي كانت ترى فيها خلاصها الوحيد، أو ربما تعمدت قتلها، لتظهر لنا مدى عمق و تجذّر معاناة تلك الزوجة أو الأنثى بصفة عامة في مجتمعنا، حتى العنوان فيه تلميح لذلك الموت الذي سيورّثها السعادة.

----------

غريبي بوعلام / الجزائر.

أقلام/ قراءة في رواية ( النهاية ) للروائية الجزائرية شنوفي حميدة بقلم الكاتب غريبي بوعلام

1


قراءة في رواية ( النهاية ) للروائية الجزائرية شنوفي حميدة.

----------

بداية الرواية كانت من نهايتها، حيث وصفت الروائية عودة بطلة الرواية ( نفيسة ) في تلك الحافلة القديمة من العاصمة إلى قريتها الأصلية التي ترعرعت فيها، و لم تذكر كل النهاية إلا في أخر الرواية، بعد أن دارت كل تلك الدورة الكاملة في السرد القصصي للأحداث الدرامية التي مرت بها البطلة، و في الأخير صدمتنا بتلك النهاية التراجيدية المؤلمة.

و قبل ذلك كتبت مقدمة كتمهيد لدخول أحداث الرواية بكتابة هذا العنوان ( القرية ..أوت..أغسطس صيف 1965 ) و تحته رسالة قصيرة، و عنوان رسالة أخرى قصيرة ( العاصمة أوت أغسطس ..صيف 1965 ) ثم بعد ذلك تقفز قفزة 28 سنة و تبدأ الرواية بعنوان صغير ( أوت ..أغسطس ..صيف 1992 ) و هذا ما يفسر بداية الرواية من أخرها بسرد أحداثها إلى أن تصل إلى تلك النهاية التي انطلقت منها الرواية، و هي تقنية سردية مستعملة كثيرا عند كثير من الروائيين، حيث تدور بالقارئ تلك الدورة السردية الكاملة ليتم غلقها.

هذه الرواية أصلها رواية الروائي الجزائري الراحل عبد الحميد بن هدوقة ( ريح الجنوب ) التي كتبها منذ 50 سنة،و جعل لها نهاية مفتوحة على عدة تأويلات، أو بمعنى أخر تركها بلا نهاية، تعمد ذلك ليترك القارئ يتفاعل مع الرواية، فيتخيل لها نهاية حسب استيعابه لعمق موضوعها، مستعملا في ذلك خياله الخصب، و ذوقه الأدبي، هذا ما جعل الروائية ( حميدة شنوفي ) تتخيل لها نهاية حسب ما رأته مناسبا لها كنهاية صادمة، و اجتهدت في ذلك كثيرا نظرا لعشقها لفن الرواية، و تأثرها الكبير بقلم الراحل بن هدوقة، و قبل شروعها في كتابة تلك النهاية، أعادت صياغة جزء من الرواية الأصلية بقلمها و أسلوبها الخاص، لتربطها في الأخير بتلك النهاية التي أرادتها، و قد استعملت في ذلك ما يسمى بالاقتباس تارة و التناص تارة أخرى من خلال سردها.

أحداث الرواية باختصار شديد كما رواها بن هدوقة تعود إلى سنة 1965، و هي السنة التي وصل فيها الرئيس الرحل هواري بومدين إلى سدة الحكم، و عمله على تطبيق السياسة الاشتراكية التابعة لمعسكر الشرقي انذاك ( الاتحاد السوفياتي ) سابقا، حاول تطبيق تلك السياسة في المجال الزراعي الفلاحي، لتأميم الأراضي الفلاحية تحت شعار ( الأرض لمن يخدمها ) و ذلك بنزع الأراضي الزراعية من أصحابها، و منحها لمن يزرعها و حصد غلتها، تطبيقا لمبادئ السياسة الاشتراكية الشرقية،و في خضم هذه السياسة وقعت في تلك القرية النائية أحداث الرواية، التي تتمثل في والد نفيسة الذي يملك أرض خصبة و شاسعة فأراد شيخ البلدية أن ينزعها من ملكه، تطبيقا لمبدأ السياسة الاشتراكية التي فرضها الرئيس، و لم يجد طريقة لمنعه من هذا السلوك، إلا أن يزوج ابنته نفيسة من شيخ البلدية في المقابل يترك له أرضه في حوزته، و حين سمعت نفيسة بالقصة رفضت رفضا قاطعا، و تحت الضغط الرهيب الذي موُرِس عليها هربت إلى العاصمة،هنا تتوقف رواية بن هدوقة ( هذه أحداثها مختصرة جدا ) بعدها تتدخل الروائية حميدة شنوفي بالنهاية التي أبدعها خيالها.

قبل ذهابها إلى العاصمة اختفت في أحد أكواخ القرية لبضعة أيام، ليكتشف أحد سكان القرية مخبأها، أثناء تحاورهما طلبت منه مساعدتها في الذهاب إلى العاصمة فوافق، و هو الذي كان يعرف كل قصتها، هنا تتدخل الروائية بالنهاية التي برمجتها لبطلة القصة.

بعد وصولها إلى العاصمة و استقرارها هناك، تتدبر أمرها لتواصل دراستها العليا، فتتحصل على شهادة الماجستير ثم واصلت دراستها لتنال درجة الدكتوراه في الأدب العربي، و خلال مشوارها الدراسي تزوجت بزميل لها في الدراسة، و أنجبت ثلاثة من الذرية، و بمرور السنين فكرت في العودة إلى قريتها التي غادرتها من سنين طوال، و كان ذلك في سنة 1992 سنة بداية الذبح و المجازر البشرية من طرف الجماعات الاسلامية المتطرفة، عادت و في نيتها أن تكرّس بقية حياتها في تعليم أبناء قريتها و دفع ظلام الجهل عنهم، و هي في حافلة العودة و عند قروبها من القرية، يتم توقيفها من طرف جماعة إسلامية إرهابية، بعد انزالهم منها، يُذبح كل ركابها بما فيهم نفيسة و تحرق الحافلة، و الأعجب في كل هذا أن الذي ذبح نفيسة هو أخاها الأصغر منها الذي تركته صغيرا في بيت والدها عندما غادرت القرية، و كانت قد سمّت أحد أولادها باسم أخاها الذي ذبحها ( عبد القادر ) هذه هي النهاية التي تخيلتها الروائية لرواية بن هدوقة ( ريح الجنوب ).

الرواية تعالج قضية المرأة و الأرض، و كيف يتم استغلال المرأة في القرى البعيدة، كيف يُمارس عليها ذلك الضغط الرهيب، من تجهيل و قمع و ضرب و زواج في سن مبكرة خوفا من ضياع شرف العائلة، حاول والد نفيسة مقايضة ابنته بالأرض كي لا تضيع منه بتزويجها من رئيس البلدية، نرى كيف قاومت البطلة كل ذلك الارهاب النفسي، و تمكنها من الفرار و تكوين نفسها، و عند عودتها إلى قريتها يقابلها  إرهاب دموي أكثر شراسة من الذي هربت منه، حاولت معالجة ذلك الجهل المطبق في قريتها لكنها وجدته مزخرفا بحلة التديّن المغشوش و التطرف و التكفير الذي أغرقها في دمها.

الصياغة الأدبية موفقة إلى أبعد حدودها من حيث جودتها، البناء السردي متماسكا، لا توجد فيه ثغرات، الحبكة كانت بأسلوب سهل و متين في نفس الوقت، أولت الروائية لغتها حقها في البناء و الإنشاء بكثير من العناية، ذلك بحسن اختيارها للكلمات و نصاعة الصور البيانية الراقية، و تركيبها المتلاحم ليكوّن لنا ذلك الجمال اللغوي الملفت للنظر، الذي يهز العاطفة، الذي يميل إلى بعض الرومانسية خاصة عندما تصف لنا تلك المناظر الطبيعية الجميلة عند بداية كل فصل جديد من الرواية، و عندما تتوقف قليلا عن السرد القصصي، لتعود إلى ذلك الوصف الرقيق، فتضفي على الرواية مسحة من جمال خلاّب و كأنها لوحة فنية معلقة في الخيال، و كأن الكاتبة تحاول خلق ذلك التوازن في عاطفة القارئ كي لا يتسرب إليه الملل و السلبية، و هذا رغم ما تحمله الرواية من مأساة مؤلمة تحز في الأعماق، كما أحسنت تحليل و وصف ما يدور في أعماق أبطالها من عواطف شرسة و أفكار هائجة كالموج وصراعات تدمي القلب، و هي تحرك شخوص الرواية من خلال سرد تلك الأحداث المؤلمة.

في الرواية رسالة للمرأة لنهوض من جديد، و تنفض عنها غبار الجهل العالق بها أو الذي علّقوه لها مع مرور الزمن، بسم الحفاظ الشرف، و تمزيق الأكفان التي تلفها و قلبها ينبض، فيها دعوة لتفجر المرأة الطاقات العملاقة المدفونة في جوفها بسبب أفكار بالية تجاوزها الزمن.

من خلال تلك النهاية المتخيلة، الروائية تبحث عن جذور الإرهاب الذي اجتاح الجزائر، التي تعود إلى سياسة ما بعد الاستقلال المتسمة بالقمع و الظلم و الدكتاتورية الخفية، التي كانت نتيجتها ذلك الانفجار الاجرامي و الشلال الدموية الذي جرف أرواحا بريئة، و من جانب أخر تلك السياسة الاشتراكية معروفة  بتطرفها و بُعدِها عن الدين إلى درجة الإلحاد، فكان رد فعلها ذلك التطرف الديني الذي وصل إلى قتل و ذبح كل من يتبع تلك السياسة المفروضة على الشعب من سنوات طوال، تلك النهاية تحمل في طياتها ذلك الصراع العميق الخفي بين تطرف الإلحاد و تطرف الإيمان.

و الروائي الجزائري عبد الحميد بن هدوقة معرف بمعارضته لتلك السياسة المُطبقة بعد الاستقلال، عبّر عنها من خلال روايته بنقده القوي المبثوث في طياتها، و لم يساير قلمه تلك السياسة التي أرادت أن تكسبه لصالحها، لكنها لم تتمكن بل عارضها و نقدها، و لم يجعل لروايته نهاية واضحة لأن مستقبل البلاد حينها كان مبهم و عليه أكثر من علامة استفهام، فترك الجواب للمستقبل، كما يمكن فهم أنه كان يدرك ما سيحدث للجزائر و لم يفصح عنه،رغم وجود تلميحات عميقة في عمله الأدبي لذلك.

----------

بقلم الكاتب: غريبي بوعلام / الجزائر.

قراءة في رواية ( فيلا الفصول الأربعة ) للروائي الجزائري ابراهيم سعدي بقلم الكاتب غريبي بوعلام

0
قراءة في رواية  ( فيلا الفصول الأربعة ) للروائي الجزائري ابراهيم سعدي.

----------

بداية الرواية كانت بزيارة ( الهادي ) لأحمد ياطو، التي أرادها أن تكون الأخيرة،  لكن بمجرد أن دخل فيلته وجده ميتا. وكان أحمد ياطو وزيرا سابقا، لكن حُذف اسمه في الحكومة الجديدة لصاحب القصر. وقد أحضر الهادي طبيبا عاين الميت، أعني أحمد ياطو الذي كان يعيش لوحده في تلك الفيلا الفخمة، بعد أن تركته زوجته و أولاده. وقد كلّم الهادي أهل الميت و أقاربه و معارفه لحضور الجنازة، لكن لم يحضر أحد في تلك الليلة، حيث قضاها رفقة الجثة إلى الصباح. و خلال تلك الليلة الطويلة جدا في نظره، استرجع معظم الذكريات، و جلّ ما حدث لذلك الوزير السابق،  فقصّ لنا بعض أحداث حياته معه. و قبل ذلك استطرد الكاتب ليظهر لنا نظرة الهادي للحياة و للوجود، فصوّر لنا نظرته الفلسفية العميقة التي تتمثل في عبثية هذا الوجود في نظره. وطرح أسئلة تبدو أنها حيّرته، و صارت هواجس تنهشه أنيابها من الداخل إلى أن أوصلته إلى التشاؤم من هذه الحياة، فما الجدوى من هذه الحياة اذا كانت نهايتها الموت المحتم الذي لا يمكن للإنسان الفرار منه؟ وما الفائدة من الزواج لإنجاب أطفال مصيرهم الكفن؟ مصيرهم مبرمج في حفرة في الثرى؟ وقد وصل به الأمر إلى وصف العلاقة الجنسية بين الزوجين بجريمة الإنجاب، و وصمها بالشنعاء، فكان موقفه من المرأة النفور والابتعاد عن الحب بكل أشكاله، رغم ما يجده في أعماقه من نزوع جارف إليه. وقد كانت له مناسبة للزواج من فتاة جميلة و رقيقة، لكنها رفضته بمجرد أن اشترط عليها عدم الإنجاب، أي ارتكاب تلك الجريمة، كما يعتبرها. كما عرضت عليه امرأة أخرى الزوج، لكنها أعرضت عنه بمجرد أن تلفّظ بذلك الشرط، أي عدم الانجاب، متهمة إياه بأنه لا يرغب في الزواج إلا من أجل التمتع بجسد المرأة الطري. وقد تمكن الكاتب من وصف ذلك الصراع الرهيب المحتدم في حلبة شعور ( الهادي ) بأسلوب رائع و جذاب بحيث ألهب شعور القارئ و أشعل فكره. واسترسل في تلك النظرة إلى أن طرح تلك الأسئلة الفلسفية الوجودية دون الخروج عن الأسلوب الأدبي و الوقوع في الطرح الفلسفي العقلي الصارم، فتساءل: من أين جاء الإنسان؟ وما الهدف من وجوده في هذا الوجود الفسيح؟ و لم يكترث كثيرا بمسألة النهايات، كما يسميها، وعاد إلى مسألة الانفجار العظيم، و ماذا كان قبله، و لماذا كان هناك ذلك الانفجار العملاق. و من خلال السياق السردي نرى الكاتب يلمّح بما يسمى وحدة الوجود، بمعنى أن الذي أوجد الوجود و الوجود سواء، و هما أزليان و أبديان، و لم يذكر الكاتب اسم الله و لا كلمة خالق  أو واجد الوجود، أو واجب الوجود، بل أخد يطرح السؤال تلو السؤال على لسان بطل الرواية.

كما هو ظاهر الروائي يطرح موضوع الوجود في روايته بطريقة أدبية، هذا الموضوع الذي شغل بال الفلاسفة و المفكرين منذ فجر التاريخ، و إلى يومنا هذا، مازال هذا الموضوع، حي ينبض في الفكر الإنساني و الفلسفة البشرية، التي لم تجد لها الجواب الكافي الشافي، لهذا في رأي الكاتب لن تكون هناك اجابات حاسمة لتلك الأسئلة،لأن لو وُجدت اجابات مقنعة سيتوقف الفكر البشري عن التفكير العميق، و لن تكون هناك فلسفة حية، لهذا الفكر و الفلسفة متواصلان في البحث المضني، و الفكر الراقي من جيل إلى جيل بغض النظر عن ديانة أفراد البشرية، إلى نهاية الحياة فوق كوكب الأرض،و نلمس هنا جانب من شخصية الروائي و ميله  للفلسفة الوجودية، التي وجدت صداها في أعماقه، و شغفه بالقلق الوجودي المعروف عند فلسفة( سارتر ) مع العلم بأنه أستاذ مادة الفلسفة في الجامعة، هذه المادة المتميزة جدا بالجانب العقلي المحض، لم تقتل في جوفه موهبته الأدبية في أدب القصة و الرواية، و قد تمكن من مزج بين الفلسفة و الأدب بطريقته الخاصة و أسلوبه المميز في هذه الرواية و بعض أعماله الروائية السابقة، التي تميزت بنوع من الغرائبية، و البحث عن ذلك الحقيقي المجهول الذي ربما لن يصله ذلك الإنسان المتعطش للمعرفة و الحقيقة، و هذا في نظري من بين الأسباب التي  جعلت رواياته تتسم بتلك الجاذية والدهشة و التشويق الذي يربط وجدان القارئ بموضوع الرواية،و التفاعل معها من الأعماق، زيادة إلى أسلوبه العذب الخالي من التعقيد اللفظي و السرد المُمِل.

أثناء تلك الليلة وجد الهادي نفسه وحيدا في تلك الفيلا الكبيرة قرب جثة صديقه الحميم، فكر في الأمر، سيطرت عليه مخاوف كثير وسط ذلك الصمت الجنائزي و الليل المدلهم بظلمته و مخالبه الحادة، أخد يقص، و يسرد بعض مواقف كانت له مع ذلك الوزير و ما يخص عائلته، ذكر لقطات من مشواره الوزاري، فكر و قال ربما ذلك الميت يكون قد ترك له وصية سرية، فأخذ يقلب و يفتش عليها، لكنه تذكر أن الوزير كان يمنع أفراد عائلته من الدخول إلى مكتبه الخاص، فتردد في الدخول، ثم دخل و فتش مكتبه الخاص و لم يجد شيء يشير له، و لا وصية تخصه، إلى هنا السرد الروائي لم يكن قويا بحيث يلفت و يجذب انتباه القارئ، في رأيي الروائي تعمد ذلك ليحضّر القارئ لقفزة سردية نوعية، تنقله إلى مستوى أعلى من الاثارة الفكرية والعاطفية، كالتي كانت عندما طرح على لسان بطل الرواية أسئلة الوجود الإنساني في هذه الحياة و ذلك في الفصل رقم 3  من الرواية، هذه القفزة  كان قد برمجها و مهّد لها و هي تدخل في البناء السردي للرواية.

في الصباح حضر أخ الوزير و أولاده الذين هاجروه و لم تحضر زوجته، كما حضر بعض العناصر القريبة له و تمت مراسيم الجنازة، و كان من المفروض أن تحضر شخصيات عالية المقام من الدولة، لكن لم يحضر أحد، و السؤال يبقى مطروحا.

و تتمثل تلك القفزة السردية، بأن قام ( الهادي ) بكسر درج مكتب الوزير، و كان قبل ذلك قد بحث عن مفتاح درج المكتب لكن لم يجده حتى في جيب الجثة، فوجد نفسه مضطرا لكسر الدرج، بعد كسره وجد صندوق صغير مغلق، حمله و حركه ليتكهن بما في جوفه، لكن كان مضطر لكسر القفل ليرى ما بداخله، فوجد مذكرات الوزير السرية التي كان يكتبها دون أن يعلم أحد بها،  كتبها بتلميحات فقط مستعملا اشارات لبعض الأسماء و الأماكن، كأن يذكر الحرف الأول من اسم الشخص الذي يكتب عنه، و أشار إلى صديقه الهادي بحرف ( ر) و فعل نفس الشيء عند ذكر بعض الأمور، وعند ذكر أسماء مناطق معينة، كما استعمل فيها كلمات حمّالة أوجه كقوله: (عام الفيل )  ( عام السؤدد ) ....كما وجد في الدرج الغلاف او القماش الأسود الذي جعله تحت سترته، في الأخير حمل ذلك الصندوق الصغير و حفر له حفرة في تراب فيلة الوزير، و دفنه فيها كي لا يترك أي أثر له.

و أثناء قيام الهادي بعملية الكسر، و العثور على تلك المذكرات السرية للوزير، تذكر حالته النفسية المسيطرة علية من فلسفته التي يحي بها، فقد تشابهت عملية كسر درج المكتب و قفل ذلك الصندوق بعمليه بحثه الدؤوبة،  لفك بعض أسرار الحياة، و البحث عن اجابات لأسئلته الوجودية التي حيّرت فكره المتعطش للحقيقة، نرى هنا ذلك التشبيه الرمزي الذي استعمله الروائي لمزيد من التوضيح للفكرة التي أراد أن يوصلها للقارئ بأسلوبه البليغ و سرده البديع الممتع، كأن هذا الوجود مملوء بأسرار مخزنة في  أعماقه، و البحث عنها كمن يكسّر أقفال تلك المخازن، و هنا اشارة قيمة لوجوب استعمال العقل و الفكر لفك أسرار هذا الوجود، الذي أدهش و حيّر العقول الجبارة و عمالقة الفكر، أم تلك المذكرات فيها اشارة إلى بعض الحقائق التي وجدها العقل البشري عبر الزمن، مع اختلاف العقول في قراءتها و تفاسيرها المختلفة، لهذا وجب تقبّلها رغم اختلاف القراءات و التفسيرات، و هذا ما يوحي بنسبية الحقيقة وأنها غير مطلقة، لأن النسبية تفتح المجال الكبير لمزيد من القراءات و التأويلات للفكر البشري، بينما المطلق أو الحقيقة المطلقة اذا أدركها الإنسان فسوف يتوقف فكره و صير جامدا و سيحارب كل من لم يعتنقها، هذه هي القفزة  ( في نظري ) التي أراد الكاتب أن يصدم بها وجدان القارئ بطريقتة الأدبية التي تدور و تحوم حول المعنى دون الذّهاب إليه مباشرة، و هي نفسها الفكرة التي طرحها على لسان بطل الرواية في الفصل رقم 3 من الرواية، و عاد إليها في الفصل رقم 14 ببعض من التفصيل لكن بأسلوب أكثر جاذبية و إثارة لفكر و عاطفة القارئ.

واصل الهادي في قراءة بعض مذكرات الوزير السرية، حيث أخبرنا بأنه كتب رواية و نشرها، ليخبرنا في الأخير أن تلك الرواية كانت من تأليفه هو وليس الوزير، و أكسبته بعض الشهرة في العالم الثقافي ثم أمره أن يكتب رواية ثانية، و ينشرها باسمه، في البداية راوغه و تحاليل عليه و تعذّر بعدم كتابته لرواية أخرى لغياب الإلهام لديه، لكن في الحقيقة كان قد انتهى من كتابة رواية ثانية و لم يخبره، لكن في الأخير نشرها بسم الوزير بعد وفاته، كما أخبره بقتل صاحب القصر الذي لم يعينه مرة أخرى كوزير بالمسدس الذي وجده في درج مكتبه مغلف بالأسود الذي جعله تحت سترته، و لم يذكر الروائي إن نفّذ الهادي الوصية أم لا، ربما فكر أحمد ياطو في الانتقام.

 الروائي لم يذكر كل شيء، و كان يمكنه ذلك، لم يفعله ليترك القارئ يفكر معه في أحداث الرواية بمخيلته،على سبيل المثال، لم يذكر سبب موت أحمد ياطو، في نظري لم يغفل عنه، بل تركه للقارئ الفطن، ليشغل فكره به، و من جهة أخرى كان يريد أن يضفي على روايته بعض الغرائبية التي تعوّد عليها  في رواياته السابقة، لكن في رأيي لم يلجأ إليها كثيرا في هذه المرة، لأنه أراد التغير في أسلوبه القصصي، بحثا عن التجديد الإبداعي الروائي، و ما الإبداع القصصي إلا ذلك البحث المتواصل عن التجديد في المعنى و المبنى دون كلل أو مَلل، و لم يستعمل كثيرا الحوار في سرده.

اتبع الكاتب الأسلوب الخفيف الممتع من الناحية اللغوية، و لم يستعمل الكلمات الصعبة و التراكيب اللغوية المعقدة، كان يهمه كثيرا التركيز على الفكرة الأساسية التي أراد أن يبلغها للقارئ في قالب قصصي أدبي جذاب و قد أفلح في ذلك، و نجد في سرده تلك القدرة العجيبة على ايصال الفكرة إلى عمق القارئ بسهولة و اقناعه بها بإيحاءات جميلة فتمتزج بعاطفته و فكره بكل بساطة.

كما يمكن اسقاط أحداث الرواية المتخيلة على واقع معين، ربما عاشه و يعيشه الكاتب و المجتمع الذي ينتمي إليه و حاول اعادة صياغته على الورق عن طريق خياله الخصب، و ترك للقارئ فسحة واسعة لمشاركته في إبداعه.

----------

       غريبي  بوعلام  /  الجزائر.

قراءة في رواية ليلة لشبونة للكاتب الالماني ايريش ماريا ريماريك بقلم عفاف بن مهدي.

0





رواية ليلة لشبونة للكاتب الالماني ايريش ماريا ريماريك من ترجمة د.ليلى نعيم و الصادرة عن دار النشر اثر في 322 صفحة 
هذه الرواية التي جرت أحداثها في ليلة واحدة في مدينة لشبونة و لكن بين طياتها سفر لعدة أماكن من أوربا على عدة فترات زمنية.
قد يحتاج الواحد منا لشخص غريب بغية الفضفضة و البوح خوفا من أن تخنقه الذكريات و ترهق كاهله هذا ما حصل مع صديقنا جوزيف سابقا و شيفاريتس لاحقا.

و اخترت هذا الاقتباس كتساؤل.
 *هل ستكون هناك خسارة لو استطاع الانسان التمسك بالاحاسيس و هل تختفي مدينة اذا غادرها الاسان؟ و هل تعيش مدينة دمرت في داخل انسان ؟ هل يعرف احد ما الموت ؟ هل يعني الموت تلاشي لو بزمن امام اعيننا ؟ و هل يعقل ان كان لنا , قبل ان ندخل هذا العالم وجه اخر سيبقى و يجب ان يبقى بعد الدمار المرحلي الذي ننتظره؟
جرت احداث الرواية قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية, بعدما تم اعتقال جوزيف و دخوله سجون التعذيب في المانيا و بعدها فرالى فرنسا هناك عايش كل انواع الذلو القهر و الاشتياق و يمكنللقارئ ان يتخيل تلك المعاناة لمهاجرين او متسللين للدولة العدو ......اعتقالات . تعذيب . محاولة استنطاق. تهم و ما الى ذلك
كل هذه الامور كادت ان تطمس شخصية جوزيف او شيفاريتس  لاحقا اصبح كظل في الليل لا يرى او كطيف شاحب يخاف الهدوء يرتعب من الظلام حذر لدرجة الجبن و بعد معاناته هذه انعم الله عليه بجواز سفر و بعض الاغراض و أموال كورث بعد وفاة احد الاصدقاء
هنا بدأت تلوح بعض الذكريات في الأفق اشتياق و حنين غير عادي لهيلين الزوجة و الحبيبة و السند تحدى العقبات و خاطر كثيرا الى ان عاد الى منزلهما في المانيا و بعد لقاء حاصره الفتور الى حد ما هربا معا و تكبدا عناء ذلك بحيث تم اعتقالهما و زج بهما في السجن و تفاقم مرض هيلين المميت الى ان اقمت على الانتحار بمحض ارادتها
كل هذه الاحداث و غيرها من التفاصيل سردها صديقنا في ليلة هادئة فالهدوء يجعلنا نحب ان ننصت خصوصا للفضفة فكان المكان لشبونة ليلا و تم خلالها الانتقال من حانة لاخرى الى اقدم الصباح بضجيجه حيث التقى باحدهم يغازل السفينة الراسية في الميناء متوجهة الى امريكا و لا يملك لا الاذن و لا التذكرة فاقترح عليه ان يستمع له مقابل السفر
الكاتب في هذه الرواية عرج الى منتصف القرن الماضي في اوربا اين كانت تعاني ويلات الحرب و الظلم و السطلة الفاسدة و الهمجية ضد المواطن و صديقنا رغم تحرره من سجون الاعتقال الفرنسية و الالمانية الا انه لا زال يقبع في سجن الماضي بين سلاسل التقييد
هذه الرواية لخصت الماساة التي خلفتها تلك الانظمة الجشعة  في فناء الكثير و الكثير بحيث اثناء سرده ذكر اكثر من نموذج مما كان يحصل انذاك هروب من النازة للوقوع في ايدي الفاشية, فسي خضم هذه الماساة تولدت قصة حب اقوى من الرصاص تميزت بالتضحية و الارادة القوية للوصول الى المبتغى هذا يدل على ان المشاعر الراقية و النبيلة لا يمكن طمسها هيلين السيدة الالمانية الارسطقراطية تحدت المرض حصار اخوها القيادي في الجوستابو الالماني و حين ظن انه وصل لبر الامان وضعت حدا لحياتها

ما يميز هذه الرواية قوة النص و ثراءه اللغوي رغم انها مترجمة و هذا ان دل يدل على قوة النص الاصلي كذلك دون ان ننسى ذكر بعض الاحداث التاريخية زمانيا و مكانيا كون الماتب عايش تلك الفترة الحرب العالمية الاولى كضابط و الثانية كهارب في شوارع اوربا المصطبغة بالظلم و الظلام فاحسن تصوير تلك الاحداث

*اقتباسات من الرواية
خلفت ورائي مدن تقبع في حالك السواد كانه منجم
سواحل البرتغال هي الوحيدة التي بقيت ملاذا للفارين الذين اصبحت العدالة و الحرية و المساواة تعني لهم اكثر من الوطن و الوجود
يستطيع المرء ان يشتم رائحة الحرب كما يشتم رائحة الحريق قبل رؤية لهيب نيرانه
لا توجد اسباب وجيهة عادلة لتجعل منك ضحية
الذكريات غالبا ما تحمل بين طياتها الندم ..الندم من عدم الاحتفاظ بالاشياء الجيدة و اباحتها و الندم على عدم القدرة على تصحيح الاخطاء
الذكريات تتحجر فقط عندما يموت الانسان
اللامعقو هو اكثر الامور خطورة
كما انه علينا الا ننسى ان ذاكرتنا تحاول تزوير الحقائق بقصد الحفاظ على بقاءنا , انها تحاول ان تجعل من اللامحتمل امر معقولا مستعينة بغشاء النسيان
لا يمكن للمرء ان يدين امة تناضل من اجل البقاء و بطلب منها ان تحاول اعطاء  المهاجرين حقوقهم
لقد خلفنا احلامنا في كل مكان كخيوط العنكبوت المتطايرة في الخريف
الوحدة تبحث دائما عن رفاق و لا تسال عمن يكونون

بقلم: عفاف بن مهدي

قراءة في رواية ( تشرفت برحيلك ) للروائية الجزائرية رشام فيروز بقلم غربي بوعلام

0


قراءة في رواية ( تشرفت برحيلك ) للروائية الجزائرية رشام فيروز.

----------

الرواية تبدأ بقصة حب بين اثنين من طلاب الثانوية، بين ( فاطمة الزهراء و طارق )وقعت أحداثها في مرحلة العشرية السوداء المعروفة بالدماء و الذبح و ضرب الأعناق،  حيث تعرضت فاطمة الزهراء خلالها لأبشع تنكيل، و أقبح تعذيب من طرف أخويها المتطرفين، بعد أن عرفا بقصة حبها لطارق، ذلك الحب العفوي، الغض الطري الذي ينعش الروح، فأرادا منعها من الخروج، و توقيفها عن الدراسة و تحجيبها بالقوة و الضرب و التعنيف إلى أن جرحها أحدهما جراء ضربها بعنف، فقررت الأسرة تزويجها دون مشاورتها، عندها أحضر لها أخاها أحد أصحابه المنتمين لجماعة سلفية معقدة و متطرفة إلى أبعد حدود التطرف، و تم تزويجها بسرعة دون رضاها و غصبا عنها،  زُفت إلى زوجها المتطرف بجلباب أسود في جو يشبه مأتم الجنازة ، و قد كانت لها فرصة الهروب مع حبيبها طارق، لكنها لم تفعل بسبب خوفها الشديد من المجهول، و بسبب شفقتها على والدها خاصة، الذي كان يحميها من اخويها الإرهابيين،هكذا خرجت من سجن أخويها الإرهابيين، لتدخل بيت زوجها الإرهابي، مع عائلته المتدينة ذلك التديّن المغشوش، خرجت من سجن إلى سجن أخر أشد و أظلم من الذي كانت فيه، من أيامها الأولى، كانت كأنها في ثكنة عسكرية، لم تعرف إلا الضرب العنيف إلى أن سال دمها و كسر أنفها و سحبها من شَعرها، و ركلها في بطنها إلى أن أجهضت، و منعها من العمل( كانت معلمة في الابتدائي) و قد اشترطت عندما خطبها أن تعمل، قَبِل بالشرط، لكن بعد الزواج منعها من العمل، و بعد اصرارها على العمل، قَبِلَ على شرط أن يؤول راتبها إلى جيبه، و هو من سيصرف عليها و لا دخل لها في راتبها، و قد أرغمها على امضاء له تصريح ليستخرج مالها من البريد، لقد عاشت الجحيم الأكبر مع زوجها و عائلته، أنجبت أربعة أطفال في ظرف خمس سنوات، الرجل كان همه الوحيد اشباع رغباته الجنسية التي لا تريد أن تشبع، لا يعرف من العلاقة الجنسية إلا الاغتصاب في كل لقاء، في الأخير تدرك أنه كان يجمع مالها و يحرمها من مصروفها الشخصي، جعلها فقيرة تفتقد أبسط ضروريات الحياة، و اذا صرف عليها يصرف بتقتير ولا يجلب لها إلا ابخس السلع واردؤها، و مع مرور الزمن اشترى من مالها سيارة، و من شدة معاناتها أصيبت بالشلل ثم بسرطان الثدي، مع ذلك واصل تقتيره عليها، و من شدة بغضه لها كان ينتظرها أن تموت، لكنها لم تمت، و أثناء كل ذلك تمكن بماله و مالها من شراء بيت آخر، و فكر في الزواج من أخرى التي كانت تطمع في ماله الوفير ،لهذا أرغمها على توقيع منها ليتمكن من الزواج بأخرى، و عندما رفضت طلقها، و لم تتمكن من العودة إلى بيت والدها الذي كان قد مات و كذلك والدتها، و كيف تعود إلى بيت أهلها و أخاها الإرهابي يقيم هناك رفقة زوجته و أولاده، فتمكنت من العودة الى العاصمة و ليس إلى بومرداس أين يوجد بيت والدها، و هي كانت متزوجة في ولاية البليدة، في العاصمة تمكنت من تدبر شؤونها بمساعدة الخيرين و تواصلها مع جمعية خيرية، تمكنت من العودة إلى عملها و اعالت نفسها و أولادها، تحسنت ظروفها رويدا رويدا، و في الأخير تمكنت من لقاء حبيبها ( طارق ) بعد مدة فراق دامت أكثر من عشرين سنة، و قد دارت كل أحداث هذه الرواية في فترة الحرب الأهلية الجزائرية بين السلطة و الإسلاميين، في الرواية اشارات كثيرة لحوادث مؤلمة جدا من تفجير و تقتيل و ذبح، كما في الرواية حوادث جانبية لها علاقة مع قصة فاطمة الزهراء يستحيل ذكرها كلها في هذه القراءة.

الرواية من أولها إلى أخرها رواية تراجيدية إلى أقصى حدود التراجيدية، مأساة من البداية إلى النهاية، نرى ذلك من حوادثها المؤلمة مع بطلتها و ما حدث حولها، تمكنت الروائية من رسمها بأسلوبها القصصي الخفيف و المؤثر في وجدان القارئ إلى درجة التأثير الشديد و الشفقة على بطلة الرواية و التعاطف معها، تمكنت الروائية من الوصف الدقيق لشخصية هؤلاء المتطرفين الذين يدّعون اقامة الشّرع الإسلامي و هم من أشد الناس المخالفين له، و ذلك باستعمالهم العنف في كل شيء و في كل أمور الحياة، و حصروه فقط في شؤون المرأة، قمعها بشدة بشتى الطرق و كل الوسائل، المهم عندهم الأنثى لا تتنفس هواء الحرية، لأن هذا سيلوثها في نظرهم، كل شيء حلال عليهم حرام عليها، مباح لهم و ممنوع عليها، نرى ذلك من نظرتهم للحب الطاهر العفيف، من فرضهم ذلك الزوج على بطلة الرواية دون مشاورتها، زوجوها برجل متطرف و هي كارهة له، همهم الوحيد هو سترها و صيانة شرفها بعقد شرعي دون قبولها و رضاها، مع أن الشرع الإسلامي جعل من شروط صحة عقد الزواج مشاورة الفتاة قبل تزويجها و رضاها و قبولها، و من حقها أن ترفض من يتقدم لها، و ليس من حق أهلها  اكراهها على من لا تحب و لا  ترغب فيه، تمكنت الراوية من كشف نوايا هؤلاء الذين يدّعون التديّن، و فضح ما في أعماقهم من سيطرة و نفوذ مطلق على الأنثى، بالتستر بلباس الدين الذي يخالفونه من أساسه، يفرضون على بناتهم و أخواتهم سيطرتهم المطلقة، و يفعلون ما يشاؤون في الشارع ببنات الناس،و بسبب هذه النظرة و هذه السلوكات العنيفة المتطرفة و غيرها من الأسباب، انتشرت موجة الخروج عن هذا الدين، و تفشي ظاهرة الرِدة في العالم العربي الإسلامي، لهذا وَجب اعادة النظر في الخطاب الديني المتطرف، و ارجاعه إلى وسطيته المعتدلة كعلاج لتلك الظاهرة.

من خلال الرواية، نلمس و نرى تلك المكانة المهينة التي وصلتها الأنثى، بسبب تلك العِصابات العمياء الفكر، الفاقدة لكل منطق و انسانية، أوصلوا المرأة إلى مكانة أسفل من الحضيض، مكانة يعافها حتى الحيوان، إنه الجهل، الجهل المطبق المغلف بقشور الدين، المزخرف بالقداسة، فكل تصرف من تصرفاتهم الطائشة نحو المرأة، يستدلون بآية من الوحي أو حديث، لتبرير تصرفاتهم العنيفة المنافية للإنسانية و جوهر الدين، المرأة في نظرهم لا شيء، هي ناقصة من كل النواحي، لا يصلح منها، إلا جسدها الشهي، و عندما يملونه، يستبدلونه بجسد أخر، و هكذا، مع أن الشرع لم يوجب التعدّد، حيث شرّعه لحالات معينة،و قال إن خفتم ألا تعدلوا فواحدة، لكنهم يأخذون جزء من الآية و يتركون الأصل، و هو الاكتفاء بزوجة واحدة، و من جهة أخرى المتزوجة لا تحب من ينافسها في زوجها من النساء، هذا طبعها و هي حرة فيه، هكذا جعلوا التعدّد وسيلة لكسر و ضرب المرأة في العمق، بدل التخفيف من مشكل العنوسة إذا تفاقم.

عندما قَبِل زوج بطلة الرواية أن تعمل، اشترط عليها أن يأخذ مرتبها الشهري كله، بحجة أنها تأكل و تشر ب و تسكن في بيته، هكذا صارت الزوجة في نظرهم كأنها في مطعم و فندق، عليها دفع ثمن الطعام و الايجار عند نهاية كل شهر، و لا تصلح إلا للفراش و المعاشرة العنيفة كالبهيمة و التفريخ لتخليد لقب الزوج، كل هذا و هُم على علم بأن الشرع الإسلامي، أوجب على الزوج النفقة حتى و إن كانت الزوجة غنية، بل و لا يحق للرجل التدخل في مال الزوجة، لها حرية التصرف في مالها، و من حقها أن تمنع زوجها منه، بل و أكثر من ذلك، تأخذ منه النفقة اذا شح عليها كثيرا أو منعها منها، فأين وضع هؤلاء الطواغيت الآيات و الأحاديث التي تبين ما أشرت إليه الان؟ من هنا نستنتج كيف يلعبون بالدين و أحكامه الواضحة كوضوح الشمس، و يفتون على حسب الأهواء التي تسيطر على عقولهم المتحجرة و شهواتهم الطائشة.

أغفلوا كل الآيات التي تشير إلى حق المرأة و النساء، كالآية التي تشير إلى المودة و الرحمة التي يجب أن تكون بين الرجل و المرأة، بين الزوج و الزوجة، و يصرون على آية الضرب المذكورة في القرآن لظرف و وقت معين و ليس على سبيل الوجوب، فنراهم يقدسون كثيرا هذه الآية أو هذه الكلمة، و يلحون عليها و كأنها أعظم آية نزلت في القرآن الكريم، فتراهم يقولون بوجوب ضرب المرأة، لأن فيه طاعة لله و تزيدهم قُربا منه، بل هي عبادة كالصلاة و الصوم و غيرها، و قد أشارت الروائية إلى بعض الآيات و وصفت كيف يلوون عنق الآيات، فينتحر المعنى الصحيح العميق فيها، و لا يفسرونها إلا على تطرفهم المتطرف، و تتساءل الكاتبة عن مصير حور العين من هؤلاء الوحوش الضارية المسكونة بالهوس الجنسي إلى النخاع.

كما أشارت الروائية إلى صديقة بطلة القصة( سعاد ) التي تم اغتيال خطيبها الشرطي من طرف أحد الارهابيين، فقررت الانتقام له بأن، غادرت مقاعد دراسة الطب لتلتحق بأعوان الشرطة، و بعد تخرجها عملت على مكافحة الارهاب، و قد تمكنت من القضاء على الكثير من هؤلاء المجرمين، رغم ما أصابها من جروح، و من خلال قصة سُعاد أرادت الروائية إظهار أن في المرأة الكثير من القوة الكامنة، لكنها مكبلة ومخدّرة بالمقارنة مع فاطمة الزهراء المتميزة بالضعف و الانكسارات المتتالية بسبب ظروفها القاسية، أما سعاد فظروفها أحسن، كانت هناك عوامل و فُرص جعلتها تفجر ما في جوفها من طاقات عملاقة خاصة أنها رفضت الواقع الذي تم حصارها فيه فثارت عليه، و فرضت وجودها و تمكنت من الانتصار و تحقيق الهدف، نرى كيف تدعو الروائية القارئ بأسلوبها إلى المقارنة بين هذين النوعين من النساء، المرأة و الرجل من الناحية القوة الفكرية و النفسية متساويان، لكن ما حدث، أن التسلّط الذكوري، هو من كسر المرأة من الداخل و بتر جناحيها كي لا تحلق، و هذا طبعا أسبابه ممتدة عبر الزمن الماضي السحيق في أُمة أهل الإسلام و الأمم الأخرى.

كما عرّجت الروائية على قانون الأسرة الجزائري الذي يجب إعادة النظر فيه، لأنه امتص كثير من حقوق المرأة المتزوجة، وحاصرها في زاوية معينة، وأهداها حقوق ظاهرها الحرية وباطنها القيد المزخرف، و لم تغفل الكاتبة أن تشير إلى قانون الوئام المدني أو المصالحة الوطنية، الذي منح الإرهابيين حقوق و أموال كثيرة، و بعضهم كوّن ثروة رغم كل الجرائم التي اقترفوها ضد الإنسانية باسم الدين.

الرواية كأنها دراسة نفسية واجتماعية عن أوضاع المرأة في الجزائر و العالم العربي الإسلامي بصفة عامة، في قالب قصصي روائي أدبي ممتع و جذاب و مؤلم في نفس الوقت، حاولت الروائية التلميح و الاشارة من خلال سردها إلى كل الوخز النفسي العميق الذي قهر أعماق المرأة، و كيف يعود كل ذلك بالسلب على العائلة و المجتمع، و تمكنت من الربط بين النفسي و الاجتماعي بطريقتها الجميلة و أسلوبها السردي المميز بكثير من الإبداع والتشويق.

الرواية في مجملها موفقة جدا، من ناحية المعنى و المبنى، أسلوبها ليس صعبا، فيه تشويق لمعرفة الأحداث التالية و ما سيحدث لبطلة القصة المجروحة في الظاهر و الباطن، تمكنت صاحبة الرواية من جذب القارئ و شغل فكره و إلهاب احساسه و الزج به في عمق أحداث الرواية، و لا نجد في سردها المتسلسل فراغات أو ثغرات سردية، الأحداث كلها متتالية و معقولة جدا و متماسكة لا يوجد فيها اقحام  لحدث أو شخصية ما  دون التمهيد لها، و هذا دليل تمكن الروائية من أدواتها السردية القصصية و حسن استعمالها لتخرج لنا هذه التحفة الأدبية الراقية التي نتمنى كثيرا لو يتم تتويجها بجائزة معتبرة.


بقلم: غريبي بوعلام / الجزائر.

قراءة في صدأ البقايا للاديبة إيناس الزهرة بدادرة بقلم مبارك منصوري مريم

0







قراءة في صدأ البقايا للاديبة إيناس الزهرة بدادرة بقلم مبارك منصوري مريم 
وكأنك تقرأ كلمات على ألحان كمان هادئ
كمان هادئ ولكنه يتألم
لكل حرف وقع على قلبك....
صدأ البقايا، هي فقط بقايا ذكريات وتجارب نُقِشت في قلب زهرتنا، فآثرت تخليدها على وريقات قبل أن تتصدأ ويندثر عبقها...
حبيبتي فقط " زهرة" حياتها كحياة أي زهرة في تلك الطبيعة المتقلبة، فلجأت إلى هذه الأخيرة لتتجسد في صورتها واستغلت ذلك لتنقل أحاسيسها وكأن الطبيعة المتمردة هي من خطت هذا الكتاب....
من أروع ما قرأت
أكثر القصائد التي لامست قلبي:
مقلة دامعة
كاللؤلؤ على الوجنتين
صراخ الصمت
خصلات لام وميم
عصف الأمنيات
مشط الأمل
لهذه القصيدة وطأ خاص، خصلات لام وميم... وكأنها تعني بذلك تشابك اللام والميم في أكثر الكلمات تضادا على الإطلاق ، الألم والأمل، وابتدأت باللام فتدل على الألم، ولكن أي ألم هو هذا؟؟
لتتبعه بذلك بعصف الأمنيات، هو عصف كفيل بقلب الدنيا رأسا على عقب، أي عصف هو هذا؟ هو فقط عصف الأمنيات التي تختلج البشر، فإذا بذلك العصف القوي يقلب الألم أملا...
تواجد واضح لضرورة الأمنيات في حياتنا، تلك الأمنيات التي تعصف بحالنا، فترد من بعد خوفنا أمنا...
كم هي لذيذة .
قبلات شفاه.
من كوب شاي مر.
هنا، ربطت كذلك بين مفهومين متناقضين تماما، اللذة والمرارة. فكيف لشاي مر أن يكون لذيذا؟ ربطت بينهما بمداخلة عجيبة وهي قبلة الشفاه المتبادلة مع حافة فنجان السائل الأخضر، وكأن تلك القبلة هي ما تجعل من ذلك الكيان المر حلوا في نظر البشر...
كذلك هي حياتنا، نتبادل القبل مع عديد الأشياء التي لا نطيقها في الأصل، نستلذ المر أكثر من الحلو، فلا شيء يسترعي الاهتمام البشري أكثر من المأساة البشرية....
ولعل ذلك ما يميزنا نحن البشر، قدرتنا على رد كل مر حلوا، وكذا كل حلو مرا إذا اقتضى الأمر
أهنئك حبيبتي على مولودك الأدبي الرائع، متمنية لك المزيد من التفوق والنجاح
بقلم: مبارك منصوري مريم

قراءة في كتاب طعام صلاة حب لإليزابيث جيلبرت بقلم الكاتب مزاري بلال

0


#طعام_صلاة_حب~
بطاقة فنِّيَّة عن الكتاب :
اسم الكاتب : إليزابيث جيلبرت.
اسم الكتاب : طعام ، صلاة،   حب
عدد الصفحات : 406.
نشر الكتاب بالإنجيزية سنة 2006. ترجم الى العربية عن دار العربية للعلوم
عن الكاتبة : إليزابيث جيلبيرت (بالإنجليزية: Elizabeth Gilbert) هي روائية أمريكية، كاتبة، كاتبة قصص قصيرِة، كاتبة سير ذاتية ولدت في من 18 يوليو عام 1969 في ولاية كونيكتيكت الأمريكية...  من أبرز ما نشر لها :
 * الحُجّاج ( مجموعة قصص صغيرة ) ، رجال ستيرن ، رجل أمريكا الأخير ، طعام صلاة حب .
عن الكتاب:
تمر إليزابيث بطلاق صعب جداً ... و هروباً من ظروف هذا الطلاق السيء و تردياته النفسية ترتمي في أحضان علاقة جديدة مع شاب أقل سناً ... لكن هذه العلاقة الأخيرة لا تزيدها إلا ضعفاً ... تشطر روحها أكثر ... فتجد نفسها وجدهاً لوجه أمام إكتئاب حاد و وحدة غير متناهية ... و تحت تلك الظروف... تقرر أن تبدأ رحلتها في البحث عن ذاتها الضائعة... منطلقة من إيطاليا،  بلاد الجمال و الفن و البيتزا!  حيث تجرب هناك متعة اللذة غير المؤذية... ثم تنطلق إلى الهند لتجرب متعة الإنغماس الروحي و التأمل ... ثم تحط أخيراً في جزيرة بالي بأندونيسيا لتجد الفن و التوازن اللازم للتنسيق بين المتعتين - اللذة الدنيوية و الإنغماس الروحي - ... و طبعاً و ككل القصص الجميلة تنتهي الرحلة بأن تجد الحب... حب نفسها أولاً  ... و حب فيليبيه ذلك الكهل البرازيلي الذي إلتقته في البرازيل و علمها أن خسارة بعض التوازن من أجل الحب هو أيضاً توازن!

قراءة في رواية مملكة الفراشة الرواية الحائزة على جائزة كتارا للرواية العربية سنة 2015 للكاتب واسيني الأعرج بقلم عفاف بن مهدي

0


مملكة_الفراشة الرواية الفائزة بجائزة كاتارا سنة 2015

       عنوان الرواية يوحي عن عالم مليء بالضعف و الهشاشة و قصر الوقت كما في حياة الفراشات، فبين الواقع و الخيال، و المواقع تقع هذه التراجيديا لتصور لنا حقبة معينة لفئة من المجتمع الذي مزقته الحروب الأهلية فأصبح كل شيء فيه هش، قابل للانكسار و الضياع، يغطيه ضباب الظلم و التعتيم، و دخان الحرائق الكامنة في الدواخل، حتى المطر المتساقط تغير لونه رغم انه يحاول غسل بقايا أحزان ترسبت في كل مكان و اتخذت من كل موضع موطنا، محاولا تعطير الجو الذي أصبح خانقا من رائحة الرصاص الطائش المنبعث من المجهول و رائحة الموت التي حلت محل عطر الورود الندية، فالبعض هاجر أو هُجِّر خلف البحار أو إلى المجهول المظلم، أو نحو برودة المقابر طواعية أو زُج بهم في خلف أقبية الزنازين ليصبحوا مفقودين، أما ياما بطلة الرواية هاجرت نحو مملكة مارك (الفيس بوك) هذا الأخير الذي يسرق ضحكات العمر و يلغي وجود كل من حولنا.

       الكاتب  جعل من الرواية و كأنها تحاكي أحداث  الجزائر أثناء العشرية السوداء و ما  خلفته من نتائج سلبية على الجميع متناسيا ذكر الأسباب المؤدية إليها فكأنه استحدث أزمة و اختار الكلام عما  يريده مبرزا بذلك كيف أثرت الحرب على الجميع و كيف تأزمت حالاتهم النفسية و كيف اختار كل واحد مهربا له فهناك من انكسر و هناك من نجح وسط تلك الصراعات و كيف شق طريقه وسط الوحل و الظلمات، أما فكرة الأسماء الثنائية التي استخدمتها ياما في جميع أطوار الرواية و لكل من حولها فهي تكشف دواخل الأفراد و ميولاتهم و لمن يشبهون، فكانت معظمها شخصيات من روايات مشهورة.

ما يعاب على الرواية( حسب نظري) ان عائلة ياما التي كانت محور الرواية تبدو مثقفة الى حد كبير و كل نقاشاتهم تدور حول الكتب و اسماء الكتب و الشخصيات الكثيرة التي تجعل  القارئ يتيه و يضطر كل مرة للبحث عنها، أيضا درجة الانفتاح تلك التي أشك انها موجودة خصوصا في العائلات الجزائرية المقيمة هنا كالشرب مع بعض الاب و الأبناء و الام و التحدث بطلاقة دون رقابة عن جميع المواضيع، حتى رحت أتساءل أين تقع هذه الجزائر التي يحدث فيها كل هذا بالله عليك دلني ؟ صحيح هي رواية و بما ان الكاتب اختار فترة حساسة و حرجة جدا من الفترات الماضية كان عليه أن يقربها أكثر من القراء خصوصا لجمهوره العربي خارج الجزائر

لغة الرواية جيدة جدا و لتبدو أكثر واقعية من المجتمع الجزائري استخدم العربية الفصحى و الفرنسية التي يستعملها الكثيرون في معملاتهم اليومية ضف الى ذلك اللهجة الجزائرية العامية الدارجة التي استخدمها لذكر بعض الأمثال الشائعة لدينا و تسمية بعض الأمور البسيطة و هذا ما جعلها تبدو كفسيفساء أدبية تقرب الرواية من الواقع أكثر

طوال أطوار الرواية وجه الكاتب جملة من الانتقادات لكثير من الجهات، مثل ما حصل مع مجمع صيدال لإنتاج الأدوية، كذلك لبعض المختبرات الخاصة و الخناق الذي تم فرضه على الصيادلة و الصيدليات، أيضا قام بشن حملة شرسة ضد الدين الإسلامي خاصة.... فالدين بريء تماما من المهرطقين الذين اختفوا تحت طاقيته

تناول أيضا شطرا غير يسير عن قصة غرام ياما من اخد الكتَّاب المشهورين فأرادت الهروب من واقع مقيت بئيس لتجد نفسها وسط لعنة الغدر و الكذب و الخداع و تسلية لمسيير صفحة الأديب طيلة أكثر من ثلاث سنوات لتكون الطامة الكبرى يوم عرضه عمله العملاق....

الرواية كانت أحداثها تسير ببطئ ممل في كثير من الأحيان لما تخللته من تكرارات للأحداث و لبعض الفقرات بصيغ مختلفة
#تعقيب : العشرية السوداء انتهت في سنة  2000 كأكثر تقدير في تلك الفترة لم تكن التكنولوجيا كما هي عليه الان فالكاتب استحدث أزمة و حرب أهلية وفق ما أراد
تستحق ⭐⭐⭐

#اقتباسات

يبدو أن بلادنا لا تسير بالقانون و لكن بالاستثناءات

من شابه الآخرين أصبح لا شيء في النهاية

الدقائق و الثواني أيضا مهمة في حسابات الموت و الحياة و الحب

هل حرية الآخر رهينة بعبودية الثاني؟

ممتلئة بك لدرجة الاحتراق

أيام العمر قصيرة جدا من العبث تضييعها فيما لا يستحق ذلك

الكتابة مخاطرة نقودها احيانا نحو مالا نريد.

عفاف بن مهدي

قراءة في كتاب من هو اليهودي للكاتب عبد الوهاب المسيري بقلم عفاف بن مهدي

0






من هو اليهودي
للكاتب: عبد الوهاب المسيري

عدد الصفحات 116 صفحة عن دار الشروق للنشر.

في هذا الكتاب سلط المسيري الضوء على قضية الهوية اليهودية / الشخصية اليهودية و تناولها الكاتب من عدة أبعاد : الديني، السياسي، الاجتماعي و التاريخي
استهل الكاتب بعرض تاريخي للهوية اليهودية و ظهورها في مختلف بقاع الأرض على مر الزمن، و هذه الهويات تستمد معالمها حتما من أماكن تواجدها
و قدم الكاتب أيضا خريطة للهوية اليهودية الحديثة، و تضمنت الهوية اليهودية في المجتمع الغربي الحديث و تعريفها الديني الأرثوذكسي لها، و ينتقل الكاتب إلى الأطروحات الصهيونية التي هي عبارة عن تمويهات و ادعاءات دون اسنادات بحيث تعتزم أن اليهود شعب واحد و أن الصهيونية هي القومية اليهودية
ثم يوجز لنا الكاتب أن الواقع الاثني و العرقي للمستوطنين الصهاينة و يهود العالم الخارجي يكذّبون هذه الاطروحات.

كتاب قصير لكن يحمل بين دفتيه معلومات دسمة و مكثفة و هي أكيد ناتج بحوث و دراسات معمقة كثيرة ، بمجرد إثارة هذا السؤال داخل الكيان الصهيوني يؤكد فشل الإسرائليين في تعريف الشخصية اليهودية أو الهوية اليهودية تعريفا دقيقا
الشخصية اليهودية : يفترض أن ثمة شخصية قومية يهودية ذات سمات ممزة و ثابتة.
هوية يهودية : يعني أن ثمة جوهرا يهوديا ثابتا يسمى أعضاء الجماعات اليهودية أينما كانوا و يمنحهم شخصيتهم اليهودية المحددة.
و تاريخ الهويات اليهودية طويل و مركب و يغطي عدة أزمنة و أمكنة لا يربطها رابط في كثير من الأحيان.
التعريف الديني للهوية اليهودية : كانت اليهودية ديانة سماوية توحيدية في محيط الجهل و الوثنية هذا في العصور القديمة.
أما في العصور الوسطى قد انطمست معالمها في محيط إسلامي أو مسيحي.
هناك أيضا تعريف ظهر مع الحاخامية اليهودية و هو أن اليهودي كل من ولد لأم يهودية أو من تهود على يد حاخامات، و مع الانتشار الكبير للجماعات اليهودية في بقاع الأرض المختلفة غاب التجانس الثقافي و الديني بينها، أما التعريف الخاص بالصهيونية التي تعد في أحد جوانبها محاولة إعادة تعريف اليهود تعريفا يتفق مع وضعهم الجديد في الغرب بعد ظهور الدولة القومية العلمانية و عصر الاعتاق و سقوط الجيتو فهم يرون أن ثمة هوية قومية يهودية واحدة متميزة متجانسة تفرق بين اليهود و سواهم من أقوام كل زمان و مكان.
و الصهيونية ترى أن الهوية اليهودية خارج المستوطن الصهيوني هوية ناقصة مريضة يجب إلغاءها
و مع كل هذه العناصر و التوترات و التناقضات تجعل من العسير على اليهود أنفسهم تصديق مقولة الشعب اليهودي الذي تجاوز الأزمنة و الأمكنة و الذي يحمل داخله جوهرا يهوديا .. فقد أثبت الواقع العلمي أنه لا يوجد جوهر واحد ... بل هي سمات عديدة متنوعة بتنوع التشكيلات الحضارية و التاريخية

اقتباسات من الكتاب:

الهويات اليهودية هي تركيب جيولوجي تراكمي و لكنه لم يكن ملحوظا بسبب انفصال أعضاء الجماعات اليهودية و وجودهم في أماكن متفرقة من العالم .

تحددت الهويات اليهودية المختلفة في غياب سلطة يهودية مركزية دينية أو دنيوية عبر الاحتكاك مع عشرات التشكيلات الحضارية و من خلالها الأمر الذي نجم عنه تنوع هائل في الهويات اليهودية .

الصهيونية هي هي حركة تحرير الشعب اليهودي أو هي القومية اليهودية.

قدوم هائل من عدم التجانس بسبب انتشار اليهود في كل أنحاء العالم دون وجود سلطة مركزية دينية أو قضائية في فلسطين أو في غيرها من الأماكن.

عفاف بن مهدي


قراءة في كتاب بقلم القارئة إلين قطر الندى

0



الكتاب:أضواء على جسر العبث ✨
للكاتب : عبد القادر ضيف الله 📜
♥ عدد الصفحات : 88 صفحة. 📑
♥ تقييم للكتاب : 7/10 . 📝
♥ موضوع الكتاب : عبارة عن قصص قصيرة . 📖
1) ساعة الرحيل .
2) الرأس الطائر .
3) ليلة الدفن .
4) الأم .
5) الحزام .
6) أضواء على جسر العبث .
7) رجل في جلد أنثى .
8) العجلة .
 بعض الإقتباسات :
🔸" كل أيامك شبيهة بسوق الإثنين .. ، لابد أن الجميع كانوا متفقين معك على أن ذلك اليوم وحده يمثل عيدا للمدينة ، لكنهم كانوا لا يجرؤون على البوح عن رغبتهم في أن تكون كل أيام الأسبوع أعيادا بمثل ذلك العيد . " 🔸 " الشهداء لا نبكيهم أبدا لأنهم لن يموتوا فينا ، لأن دمهم أمانة تدفعنا للكفاح أكثر حتى ننال الحرية . "

مراجعة كتاب فارس فارس لـ غسان كنفاني

0

مراجعة كتاب #فارس_فارس لـ #غسان_كنفاني
يقول غسان " إن فن السخرية هو أصعب فنون الكتابة على الإطلاق إذ المطلوب من الكاتب أن يقنع القارئ بالإضافة إلى جميع البنود المعروفة في الكتابة.. بأن دمه خفيف"
كتاب فارس فارس عبارة عن مجموعة من المقالات التي كان ينشرها غسان كنفاني في جريدة #الأنوار بإسم فارس فارس وهو الإسم الذي إختاره غسان هروبا من ضغوطات العمل.
المقالات عبارة عن نقد لاذع وساخر لكتب ولقضايا مجتمعية ظهرت أنذاك.
في هذا الكتاب يرمي كنفاني الرداء الذي كان يرتديه ويخرج من وراء الشخوص التي كان يجسدها في قصصه ورواياته فلم أرى غسان الروائي والقاص والعاشق إنما رأينا غسان على حقيقته وتعرفنا عن مدى نضج هذا الكاتب أدبيا وسياسيا.
لم يسلم من نقده عديد الكتّاب والشعراء وأبرزهم نزار قباني فقده شنّ عليه فارس فارس حملة نقد شرسة وشجاعة.
في هذا الكتاب ستضحك كثيرا وتبكي كثيرا ستضحك إلى حد القهقهة من طرافة وسخرية غسان وستبكي للمستوى الذي وصلت إليه الكتابة والأدب في فترة الستينات .
 لو عاش غسان كنفاني في وقتنا الحالي لكتب مجلدات على شاكلة كتابه فارس فارس .

هذه بعض #عناوين_المقالات التي تناولها الكتاب:
-حين يجف البحر والمؤلف
-عن كتاب مزعج إسمه المزعجون
-كاتب عنده عدة النجاح: الغرور
-الشعر حين يكون قيدا غليظا
-هذا الكتاب إشارة إلى وعي تافه
-شعراء متهمون بالغش والتزوير

#بعض_الإقتباسات
-إنّنا نتحدث كثيرا عن انحلال الأخلاق في المجتمعات الغربيّة المعاصرة، إلّا أنّني في موقف أستطيع أن أعلن فيه أنّ أخلاقنا ليست أبدا أقل انحلالا، ولكنّها أكيدا أكثر سريّة.

-إنّ أبشع هتافات بيّاعة العربات فيها منطق ومعنى ولمسات شعريّة أكثر من 99.99 من أغانينا. وكي يتأكد أي إنسان من هذه الحقيقة عليه فقط أن يتحمّل كارثة الإستماع إليهم .

-إن كتابة القصة القصيرة عملية مرهقة للغاية تحتاج إلى موهبة قول الشيء بإختصار شديد الإيحاء، إنها من حيث الصعوبة تشبه أن تعمل على كسب موافقة سيّدة جميلة، تراها لأول مرة في المصعد، لتقبل منك قبلة عرمرمية قبل أن يصل المصعد اللعين إلى الطابق الخامس، حيث سيتوجب عليها أن تغادرك.

في إحدى القصص القصيرة يقول الكاتب ( ...هكذا هتف صاحبي بصوته الجهوري وهو ينظر إليّ مفاخرا بإكتشافه العتيد). وكي يفهمنا المؤلف معنى كلمة إكتشاف يستطرد قائلا (... كأنه المرحوم كريستوف كولومبس)، ثم خوفا من أن نحسب أنّ كولومبس المذكور هو الشاب الذي يعمل في مطعم أبو خضر على كورنيش المزرعة يقول لنا (... حينما ٱكتشف أمريكا )

-لماذا شعرت أن الكتاب الذي إشتريته مؤخرا كان ناقصا هدية، فقد كان من المفروض ان تعطى معه مجانا سلة مهملات، او على الأقل كان من المفروض أن  تربط إليه عصا خيزران، وذلك لينهال القارئ على نفسه بالضرب بعد الإنتهاء من قراءته، من باب الندم ..
بقلم: بهاء الدين ممو

قراءة في رواية التبر لـ إبراهيم الكوني

0

رواية التبر لـ إبراهيم الكوني
لا أحد يجيد لغة الصحراء كإبراهيم الكوني، الصحراء محظوظة لأنها أنجبت كاتبا كالكوني يحملها معه أينما ذهب، الكوني يبني عالما لا ينضب من الحكايا والمغامرات، بأسلوب شاعري فلسفي عجيب يمزج الخيال بالواقع، يصنع من القرص الملتهب والأشعة المنسكبة على الكثبان والكهوف المجهولة والليالي المقمرة معزوفة تبتهل وتستسلم عند سماعها.
رواية اليوم هي #التبر ، قد يراها البعض رواية ولكنها في نظري ملحمة روائية نقلنا فيها الكوني إلى عالم الصحراء البهي، هذا العالم المتفرد بقساوته وقيّمه وقوانينه.
هذه الرواية مختلفة في كون بطلها مهري يدعى الأبلق وهو فصيلة نبيلة ونادرة في الصحراء، تنمو بين الأبلق وصاحبه #أوخيّد علاقة صداقة روحانية، زادت وشائجها بعدما إختلط الدم بالدم بين الجمل والحيوان، إنتقلت عدوى الجرب للأبلق من أنثى جمل ففقد لونه ولم يعد أبلقا، نصحه أحد العارفين بالصحراء أنّ عشبة أسيار تشفي المرض لكنها تسبب الجنون للجمل، رحل إلى حيث تنبت العشبة وفي الطريق نذر على نفسه أنه سيذبح جملا بدين إن شفي أبلقه.
شُفي الأبلق، أشار إليه الشيخ موسى أن يطهره من الخطيئة حتى لا يتزاوج مع أنثى مرة أخرى فالأنثى هي الخطيئة.
مرت الأيام ونسي النذر الذي نذره على نفسه، يتزوج أوخيّد بإمرأة ذات جمال رغم رفض والده وقبيلته لها، فيرحل عن القبيلة، لكن لعنات النذر والوالد والقبيلة تبقى تُلاحقه، سنوات من الجدب ضربت الواحة التي أقام بها، فيظهر تاجر ذا مال وجاه يدعى #دودو، إقترح عليه رهن الأبلق مقابل الحصول على قوت عياله، رفض لكن بإصرار زوجته قَبِل العرض،  دودو لم يكن الأبلق هدفه بقدر ماكانت الزوجة هدفا له، يستمر في إستفزاز أوخيّد بإيذاء أبلقه، ولإسترجاعه طلب منه تطليق الزوجة بحكم أنها إبنة عم دودو ويعرفها منذ الصغر لكن الوالدين حالا دون زواجهما، في الأخير يرضخ أوخيّد لضغوطات دودو فيطلق زوجته ويسترجع أبلقه ويأخذ بعض التبر(الذهب) كهدية منه رغم رفضه لها في بادئ الأمر، الخبر في الصحراء ينتشر مع الريح حيث ذاع أنّ رجل صحراوي باع زوجته بالذهب فتنشب في دواخله حرب القيّم المفقودة وثورة الخزي والعار الذي ستلازمه طول حياته.
يقتل أوخيّد دودو، هنا تتجلى حكمة الشيخ موسى "لا تودِع قلبك في مكان غير السماء، إذا أودعته عند مخلوق على الأرض طالته يد العباد وحرقته".
 فيختلط الدم والماء والتبر في مشهد درامي، أوخيّد سلّم قلبه
فلابدّ أن يدفع ثمن الخطيئة التي قد تكون صديق، مال، زعامة، ولد، زوجة .
الرواية تسحق خمس نجمات من خمسة لسلاسة سردها وفخامة لغتها ومتانة حبكتها وفكرتها المبهرة.
#إقتباسات
“لا تودع قلبك فى مكان غير السماء”
“مسكين من سلّم أمره لإنسان، مسكين من رهن رأسه لإنسان.”
'' فليس ثمة في الدنيا مخلوق ينافس الجمل في الصبر على الألم الجسدي. وليس في الدنيا مخلوق أضعف من الجمل في تحمل ألم القلب..''
“حقا ما أبعد أسرار الغرباء! ما أقوى الغرباء! أولئك الذي يخفون أسرارا دائما أقوياء.”
“ما أبشع المخلوق عندما يخلو قلبه من الهمّ! الحزن وحده يزرع القبس الإلهي في القلب.”
“والمجهول لا يومئ عبثا. المجهول لا يعرف المزاح. المجهول هو القدر. ولغة القدر مميتة.”
“والصحراء وحدها تغسل الروح. تتطهر. تخلو. تتفرغ. تتفضى. فيسهل أن تنطلق لتتحد بالخلاء الأبدي. بالأفق. بالفضاء المؤدي إلى مكان خارج الأفق وخارج الفضاء. بالدنيا الأخرى. بالآخرة.”
“لا يتغّرب المرء بلا سبب، حقاً أن في صدر الغريب يرقد السرّ.”
بقلم: بهاء الدين ممو

قراءة في رواية- انفصام -بتوقيت الافتراض- للروائية حميدة شنوفي

0
إضاءة في رواية:






في زمن أصبحت فيه الكتابة – أو كادت – تقع في المناطق الحدودية على تخوم الأجناس الأدبية، تأتي " انفصام بتوقيت الافتراض" عملاً آخر يضاف إلى سلة أعمال تتناول العالم الافتراضي ، بإشعاراته ونكزاته ورسائله الكسيرة وأوجاعه البكماء وآماله الخرساء، تستنطق فيه الأديبة حميدة شنوفي هذا العالم الأزرق ما صمت عنه، وتستكنه العلاقات الافتراضية بين الجنسين بما فيها من صخب المشاعر وصهيل الأنفاس في " معارك العلاقات" معرّية حالات من الوهم تارة والضعف حينا وحب التملك طورا، بما تجرّه كلها من صدمات عاطفية، يواجَه فيها الافتراض بجدار الواقع. وقد وظفت الشنوفي في عملها تقنيات المونولوج والديالوج والسرد والوصف وعمدت الى تمكين الراوي العليم من مخاطبة البطل تارة ومحاورة المتلقي مرة، بشكل سلس متناسق مع السرد، لولا بعضُ تقريريةٍ ومباشرة، وأظهرت البنية السطحية لعملها الأدبي هذا حرصا على التشكيل البصري المتمثل في تظليل فواتح الفصول ومطالع الفقرات، واحتل " أدب الومضة" مساحة من العمل، وطفح بالانزياحات اللغوية التي تسجّل للأديبة، في وقت كانت تستطيع معه أن تنهض بالمستوى الخطابي ليتناغم مع المستوى الحكائي لتزرع مستقبلا مفروشا بالورود متكئة على أرضية أكثر صلابة في مسيرتها الأدبية. ولعلها استطاعت – من خلال الأوهام الثلاثة التي تخللت متن العمل – أن توصل رسالتها فيما يتعلق بالعالم الأزرق الموازي وكثير من خباياه وانعكاساتها العاطفية والاجتماعية.
 د/فادي الموّاج الخضير

قراءة في كتاب نصف مواطن محترم لهاني نقشبندي :

0
نصف مواطن محترم لهاني نقشبندي


Résultat de recherche d'images pour "‫نصف مواطن محترم هاني نقشبندي‬‎"


انه مواطن بسيط يعيش في وطن تحكمه نخبة دائمة الاجتماع في محفل .. اين تناقش فيه جميع القضايا المهمة و تتخذ القرارات للمحافظة على ذلك الوطن .. وطن حتى الجدران فيه لها آذان .. ان الجميع مراقب .. فويل من يتجرأ على الاساءة للوطن و ولو بكلمة بسيطة .. انه وطن لا تسمع فيه كلمة " لا " فهي محرمة من طرف زعيم الوطن نفسه .
.
انه مواطن يحب زوجته حبا جما .. انه لا يشاهد في هاته الحياة شيء اغلى منها .. همه الوحيد ان تشفى من مرضها حتى وان فقد كل ما يملك .. فمن اجلها قال تلك الكلمة المحظورة " لا " امام الملأ .. انه على استعداد كي يتحدى الجميع من اجلها نعم من اجلها هي وفقط .
.
انه مواطن من اجل مساعدة زوجته يجلس لساعات امام " غسالته المعطوبة " لأجل اصلاحها .. فهو لا يريد ان يشاهد زوجته و قد انهكها التعب في غسل الثياب .
.
انه المواطن الذي تم اعتقاله بأمر من مسؤول الامن شخصيا .. تم عقد اجتماع للنخبة الحاكمة خصيصا لمناقشة السلاح الخطير الذي كان بحوزته .. السلاح الذي يخطط لتشغيله .. " الغسالة المعطوبة ؟؟ " .
هنا توقفت متأملا ؟؟ .. لماذا اختار الكاتب سبب دخوله السجن " غسالة معطلة " بأمر من مسؤول الامن شخصيا ؟؟ .. ستشاهد الامر ان الكاتب هنا جعلها رمز لغباء النخبة الحاكمة التي لم تستطع التفريق بين غسالة و سلاح حرب خطير ... لكن ستكتشف لاحقا ان السبب كان شيء اخر تمام .. وهذا ما اعجبني اكثر فالكاتب لا يترك لك ابدا فرصة لتتوقع قصده حتى يحين الوقت المناسب ..
.
انه مواطن زج به في السجن بتهمة لم يفهمها اصلا .. و هو في زنزانته لم يفكر في شيء سوى زوجته هل عملت العملية .. هل شفيت .. ماذا حل بها .. انه يتخيل صورتها صوتها كل شيء له علاقة به و كأنها معه ..انها المصدر الذي ينسيه كل معاناته ..
.
انه المواطن الذي بضغطة زر من زعيم الوطن اصبح عميل و محرك الايادي الخارجية في وطنه .. لقد احرقت صوره و منزله و كل شيء له علاقة به ....
.
انه المواطن الذي اصبح بعدها " الرجل رقم 1 بعد الزعيم " لقد استطاع احد الاعضاء المقربين للزعيم ان يقنعه بان يجعل هذا المواطن ضمن النخبة الحاكمة .. و بضغطة زر اخرى اصبحت الجماهير تصفه بالبطل .. و الهدف من هاته الخطوة لكي يشعر الشارع انهم حقا يشاركون في الحكم بممثل منهم .. و في نفس الوقت يعرفون الشارع من خلاله فهو الذي عاش بينهم ..
.
انه المواطن الذي اصبح جالس في المجلس الاعلى يناقش قضايا الامة .. وهذا بفضل ذلك العضو الموقر الذي ساعده كثيرا ..
.
انه المواطن الذي اصبح هدفه ان يتقرب اكثر من الزعيم .. لقد نسى مساعدة ذلك العضو .. لقد نسى البسطاء من الناس .. أتعرفون لقد نسى حتى زوجته .. فهمه الوحيد هو ان يصبح الرجل الثاني بعد الزعيم .. لقد تخلى عن كل مبادئه لدرجة انه اصبح يلوم الشعب لا النخبة الحاكمة .. الشعب هو الذي لا يستحق هاته النخبة و ليس العكس .
.
انه المواطن الذي اكتشف اخيرا من يحرك الشارع ضد الزعيم .. لقد جعل الزعيم حقا يشك في من حوله .. من المقربين منه .. و عندما وجد الدليل القاطع ....... انقلبت عليه اللعبة .. ان اعضاء المحفل لم يكونوا بتلك السذاجة كما اعتقد .. ان من اتى به الى اعلى هرم في البلاد لا يمكن ان يتلاعب به شخص غير مبادئه من اجل شهوة الحكم و السلطة .
.
انه المواطن الذي تم استخراج له شهادة وفاة حقيقية دون ان يصيبه موت .. انه المواطن الذي تذكر زوجته في النهاية .. لكن بعد ماذا ؟؟ بعد ان اصبح ميت " حي " .... فهل حقا يستحق ان نطلق على هذا المواطن " نصف مواطن محترم ... " .. اعتقد انه جزء صغير من مواطن غير محترم ^^ .
..
هذا كل ما كتبته وانا اقرأ كتاب " كتاب " نصف مواطن محترم .... لهاني نقشبندي " " 
.
بقلم �#الجـــــــندي�

قراءة في كتاب رحلتي من الشك إلى الإيمان لمصطفى محمود :

0







رحلتي من الشك إلى الإيمان .. رحلة شيقة تحتاج لأن تربط الحزام جيدا، لكي لا تضيع أو تفقد لذة تذوق إبداع من إبداعات مصطفى محمود.
.
رحلة طبيب كبر في زمن كان فيه سلم رختر يسجل كل يوم هزة علمية جديدة تأتي من وراء البحر .. كيف لطبيب في مقتبل العمر ألا تبهره كل تلك الهزات ؟؟ .. انه الكمال بعينه .. لا لا .. لا يمكن للعين المجردة أن تكذب .. انهم يفسرون كل شيء .. هل خُدعنا في معقلنا أين لا نشاهد إلا التخلف ؟؟ .. أعتقد أننا جميعا اخدنا جرعة أفيون و قد حان الوقت لنستيقظ من سباتنا .. أنا لا أؤمن بكل تلك الأساطير .. أنا أؤمن فقط بكل ما هو مادي و ملموس .. أهلا بي في عالم الشك ....... هكذا كانت طريق مصطفى محمود لعالم الشك .
.
في عالم الشك و الابتعاد عن فطرة رب السماوات و الأرض .. تلك الفطرة التي تكون في وجدان كل منا .. فإن حدنا عنها سنبدأ بسماع صوت ينادينا كل ليلة من داخلنا .. ذلك الصوت الذي يتجاهله كثيرون منا تكبُرا وفقط .
.
حين صرخ ذلك الصوت في وجدان مصطفى محمود أصغى إليه جيدا، ليعود به من خلال تلك الطريق التي سلكها سابقا .. لكن مبرزا له كيف كان سطحيا و كيف كانت عينه الداخلية لا تبصر .. هنا وفقط استطاع مصطفى محمود أن يجيب على جل تساؤلاته التي قادته سابقا لعالم الشك .. لكن هاته المرة قادته مباشرة لاعتناق دين الحق دين توحيد الخالق .
.
و ككل كتب مصطفى محمود .. تجده يخاطب داخل الإنسان .. يخاطب ذلك الصوت التي يصرخ في أعماقنا كلما حدنا عن طريق الفطرة .. انه كتاب رائع لكل من يجيد سماع الأصوات الداخلية و يعطيها أهمية .. أما من يتجاهلها و لم يحاول فهمها قط سيجده كتاب ممل للغاية .
..
.
بقلم ( الجنـــــــــsoldatــــــدي)
..
تحياتي

جميع الحقوق محفوظه © أقلام

تصميم Noro Soldat