آخر الأخبار
... جاري التحميل

أقلام/ قراءة في رواية "تلمود نرت" للكاتب والفنان التشكيلي مسينيسه تيبلالي بقلم الكاتبة حميدة شنوفي

0




قراءة في رواية "تلمود نرت" للكاتب والفنان التشكيلي مسينيسه تيبلالي: __________________________________

______________________________________________________



عن الكاتب:
ماسينيسه تيبلالي، الكاتب والفنان التشكيلي الجزائري، ابن مدينة بجاية، الحائز على جائزة أربوست العالمية للفن التشكيلي لمرتين على التوالي، و رغم ولعه الشديد بالفن التشكيلي وقدرته الفائقة على استنطاق الريشة والأوان، وبعد الأعمال المميزة التي بتنا نراها على صفحات حسابه، ومعارضه العديدة، على غرار لوحة "وجها لوجه مع العالم" و الحائزة على ذات الجائزة لسنة 2018، وبعد أن أخذنا في رحلة مع سحر الألوان وشبقها كفنان تشكيلي ناجح، يأخذنا هذه المرة ككاتب في رحلة مع القلم مروضا وحشية هذا المتمرد الذي يصعب في زماننا هذا على العديد من الكتاب ترويضه، ليكتب رواية أقل ما يقال عنها أنها في مثل غموض وشبق ما عودتنا به ريشته.

عن الرواية:
إنه ماسينيسة تيبلالي الذي خلق من التاريخ والأساطير و الملاحم والخيال رائعته " تلمود نرت" الصادرة سنة 2017 عن دار الجزائر تقرأ " الجزائر" إضافة إلى نسختها المصرية الصادرة عن دار ببلومانيا للنشر والتوزيع دولة "مصر العربية" ويأخذنا من خلالها إلى عوالم تتحكم في الجسد، تتستحوذ على القلب، تتمرد على الذاكرة وتطاوع الروح، فتبرمج ذواتنا لرحلة يصعب العودة منها قبل إنهائها...وهذا ما حدث معي حتما..
عندما بدأت في قراءة هذا العمل، أين كان ضمن قائمة مشترياتي من سيلا العام المنصرم، إضافة إلى أنه كان ضمن قائمة قراءاتي، بعد أن عرفت عن كونه عملا تاريخيا اعتمد فيه كاتبه على كم هائل من المخطوطات، بعد تكبده عناء البحث والتنقيب عنها في مختلف متاحف المعمورة، والاجتهاد في ترجمتها بنفسه، وهذا ما يحسب له جهدا يضاف إلى جهوده المبذولة في تأثيث هذا العمل عنوانا وفحوى من مصادر متفرقة أخذت منه الوقت والجهد والذهن الصافي، فعادة أعمال كهذه وجب فيها التريث، البحث المستمر والتفكير بجدية، في كيفية جعل مخطوطات وأحداث تاريخية موثقة على هيئة رواية يسهل على المتلقي استقبال كم الأحداث التاريخية فيها بسلاسة، ناهيك عن جعل الرواية في قالب فنتازي خيالي حتى يبعد حيثياتها عن رتابة المقالات التاريخية والحقائق المكتظة أحداثا وتواريخ وشخصيات، رغم أن العمل كما نوه عنه كاتبه، ليس بمرجع تاريخي يمكن أخذه كمصدر إلا أن كم المعلومات المدرجة فيه وكذا كم الألفاظ المنتقاة فيه بعناية تنم عن ملكة الكاتب الواسعة من ثراء لغوي، وقدرة فريدة في التلاعب بتقنيات السرد لتنسيق هذه الأخيرة وجعلها في القالب الذي لمسناه ونحن نقرأ تلمود نرت، لذا يمكن اعتباره مرجعا لغويا ضخما بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ناهيك عن ترسانته الضخمة من المعارف المكتسبة سواء في السياسة والدين والأساطير والملاحم وغيرها، وهذا ما يؤكد سعة ورحابة صدر الكاتب لجعل القراءة والبحث مادته الخام التي يكتب من خلالها كل أعماله.
الكاتب أو إن صح القول؛ الفنان التشكيلي ماسينيسه تيبلالي، أدرج كما هو معلوم ريشته في حضم ما كان يخوضه قلمه في معترك البحث والتوظيف وإدراج المعلومات التاريخية وبلورتها في القالب التاريخي لرواية تلمود نرت، فنرى كم التلاعبات بالمعاني ونسق الكلمات والبذخ الظاهر في كل سطور الرواية، وكأنها ريشة فنان مليئة بالألوان لا تخطئ وجهتها مهما حدث، فكنا وكأننا نشاهد لوحة فنية على ركح إحدى المعارض في زمن غابر أقل ما يقال عنها أنها ممزوجة بالأسطورة والفنتازيا والعوالم الغرائبية المبلورة في عصر من العصور، أين قولبه الكاتب في فترة من فترات حكم الاسكندر المقدوني على مصر وأوجها ازدهارا، وبالمقابل سقوط ممالك الفرس الأخمينين، متمكنا من الاستحواذ على كافة أدوات الرواية والتمكن من تقنيات السرد.
 جمالية العنوان:
أما العنوان فهو نتاج كما يقول الكاتب عن أن للديانة اليهودية تلمودان، تلمود بابل وتلمود أورشليم، في حين يزعم الكاتب على لسان أحداث روايته وشخوصها، أن هناك تلمودا ثالثا ألا وهو تلمود نِرت، جاعلا من هذا العنوان معتركا لعديد التخمينات حول ما يمكن أن يندرج تحت هذا العنوان الملفت، ونرت هي فتاة سارت أحداث الرواية بوتيرة متباينة بين وصف ما عاشته هذه الشخصية وما ستحدثه، وبين الأحداث التاريخية التي جعلنا الكاتب نستمتع بالمرور عليها بما يكتنفها من غدر وظلم واستعباد وحروب ونزاعات، بملوكها وولاتها وساستها وعامة الناس فيها، وحتى بصحاريها التي كانت مصرحا تراجيديا لأحداث وثقتها هذه الرواية على لسان الراوي العليم جاعلة زمكانها و شخوصها يلعبون أدوارهم التي رسمها الراوي باحترافية، وكأننا أمام فسيفساءٍ يمتزج فيها التاريخ بالفنتازيا والأساطير وكذا بالملاحم والاوديسات والالياذات و الارواح النورانية، تفنن الكاتب في جعل ألوانها تسر الناظرين للقراءة دون توقف.
عندما بدأت تلمود نرت قبل مدة توقفت مرتين قبل أن تكون الثالثة آخرها، و السبب أن تلمود نرت كما يجمع قراؤها لا يمكن أن يُستمتع بتذوقها إلا بذهن صاف وقدرة على الاستيعاب حتى تعطى كامل حقها، وهذا ما حدث معي إذ أني أردت أن تكون الرواية أولى اهتماماتي في فترة قراءتها.
فهرسة الرواية:
الرواية كما فهرسها الكاتب مدرجة في أربعة فصول عنونت بأسفار الكتاب وتضم :
سِفر الجسد ، سفر القلب، سفر الذاكرة ،فسفر الروح، ثم ومما جعل القراءة سلسة تخلو من الرتابة والملل؛ تقسيم فصولها إلى عناوين فرعية بلغت في مجملها 33 فرعا، فتكون وأنت تقرأ الرواية وكأن عنوان كل فرع يدفعك لاكتشاف ماذا يخبئ الكاتب خلف تلك المقولات والحكم.
انتهت الرواية عند الترقيم 536 وفي كل صفحة من صفحاتها بلورة شهية لأحداث تاريخية في زمكان متباين بين الحاضر والمستقبل، بين أزمان غابرة وزمننا الحالي، مشبعة ببهارات ملكة الكاتب الذكية في تحريك الشخوص وجعلهم يثيرون خيال القارئ للسفر في رحلة مجانية لذيذة إلى صحراء مصر وكثبانها الذهبية، وتحت كل سفر من الأسفار المدرجة سَفر الى عوالم تأخذ بذهن القارى كلٌ حسب سعة و فضاء خياله إلى مجهول مثير، صفحات تخلو من عنف الرتابة التي بذل الكاتب جهدا رائعا في جعلها غير ظاهرة للعيان، وأنت تعتقد قبل قراءة العمل أنه تاريخي بحت تكتنفه المعلومات التاريخية المملة، فجعلنا الكاتب حقا نعيش خيالات مستفزا إيانا لمواصلة القراءة دون توقف، وهذا ما يحسب له تقنية فريدة يصعب على عديد الكتاب امتلاكها، فتجد أن السطحية رغم كون الفكرة شهية طاغية على العمل فلا تستطيع اكمال العشر صفحات الاولى حتى تغلق الكتاب، فما بالك ب536 صفحة في تلمود نرت و التي استطاع الكاتب تحفيزنا على قراءتها دون كلل أو تماطل أو ركود.
وحتى لا أحرق أحداث العمل، لم استرسل في وضعها أمام قارى قرائتي هاته، ناصحة كل من له هوس بالتاريخ وبكيفية اشباع ثغراته، وتوظيف الخيال والفنتازيا كما هو حالي أنا، أن يتذوق هذه المخطوطة النادرة، مؤكدة على رحلة مجانية يأخذنا فيها الصديق ماسينيسه تيبلالي إلى حيث الأساطير والبرديات الغامضة والكائنات النورانية في الأزمان الغابرة، حيث لن تفكر بالعودة بعد ما ستلقاه من سحر القلم والريشة الممتزجتان بين أنامل هذا الكاتب، واللتان زاوجتا بين المداد والألوان، بين شبق الكلمات وتعرجات الريشة، بين سطوة القلم و تلاعب الكاتب بريشته، بين الشعر والنثر، والأهم بين الواقع والخيال.

مني، حميدة شنوفي أسمى عبارات التقدير و الثناء على الجهد المبذول في هذه الرواية التي استمتعت بقراءتها، محققة هدف الكاتب في جعلي أسافر حقا إلى حيث يمكن للزمن أن يتوقف،  كما يمكن للحقيقة أن تكون ضربا من الخيال.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

جميع الحقوق محفوظه © أقلام

تصميم Noro Soldat