شهقة الوداع
...ها أنا أقف حائرة أمام عُري أفكاري لهذه الليلة، تساؤلات تنبثق من الأعماق لا يليق بها الا العويل على أمل أن أجد لها حلولا...فجأة وجدت نفسي أتحادث مع شخصيات خيالية ، أجنة وأرواح وجدتها أطيب من قلوب بعض البشر ، يسامرونني في كل ليلة لأحدثهم كم أن الغياب قاتل، صامت يخنق بلا رحمة ، هكذا أنا تماما لوحة قديمة ملّت التعلق على ذلك الجدار...أجد الكلمات فجأة تترامى في رأسي لتترجم تعبا يأبى أن يستريح ، لكثرة الخذلان الذي مررت به صرت أخاف من ظلي حتى أخاف اأن ن يتركني هو الآخر لأصبح غير مرئية أخطو فلا يراني ولا يشعر بي أحد...صحيح أنني أملك قلبا مر عليه مايهدم بلدة بكاملها إلا أنني مازلت ثابتة صامدة وهذا ما اعتبره انجازي العظيم.
كنت و ما أزال أساند نفسي بنفسي دائما ، لا أدين لأحد بأي شيء الكل قد رحل وبقيت وحيدة كئيبة كأنني في قبر ، الشيء الوحيد الذي يعكر صفوي هو ذكرياتهم التي استقرت بعروق الذاكرة يأبى النسيان محوها...في منتصف الليل العتيق هناك تماما تبدأ قصتي بتأوهات تعلو أرجاء المكان ، زفرات متتالية تسمع من خلف الردهات لأجد نفسي ساقطة من قمة الجبل إلى هاوية الجحيم السفلي، مرمية كجثة مهترئة في مكب الخذلان والاستسلام ، في هذا الوقت المتأخر أفكر في الماضي، المستقبل لأنسى كما هي الحال دائما أن أعيش الحاضر...كروح بلا جسد تعيش منقطعة عن كل شيء في سرداب ما تحت هذه الأرض البور، تائهة متخوفة من أيام قد لا تأتي ومن أحلام قد لا تتحقق ، تحاول أن تفتح صفحة جديدة لخط مستقبل مغاير، لكن عبثا فكل الأبواب شبه منغلقة، فقط تنتظر من يخطفها من حطام الخيبة ويأخذ بيدها ليتراقصا على أنغام الشوق والحنين.
أتعبتني الحياة بغموضها ومفاجآتها ، جعلت مني روحا بلا رغبة ، فتاة ميتة حرة رسمت تفاصيل أعماقها بتجاعيد يديها الإثنتين، كثيرا ما تتسائل تلك الطفلة الصغيرة التي في داخلي إن كانت ستتجاوز مأساة هذه الحرب، تتدحرج ككرة هاربة من هذا القدر اللعين الذي يركل بها أينما يشاء، لتمر كل هذه الأفكار بالعقل المنتشي لتتأكد الطفلة نفسها أن نصفها مات والآخر مازال يحتضر ، لا جزء منها على قيد الحياة...ابتسامة عبثية ساخطة ترتسم على شفتيها كفعل انتحاري متحدية هذه الحياة البائسة بكل جبروتها، هاهي ذي تجابه الوجه المخيف للعالم وحدها ليُعلن صراع دون سابق انذار ...صراع قائم بين ذاكرة منهكة وحاضر يأبى النسيان مترنحة هي بين الماضي والمستقبل لتنهال عليها جيوش الذكريات معلنة رسم معالم الشتات والفتات فيكاد النفس ينقطع على نافذة الأمل عفوا الأام.
اختصرت كل هذا الشقاء والعذاب في شهقة واحدة ، شهقة الموت والوداع الأخير لألملم أمتعة حبي وأطرد طيفه الذي يراودني لأتحرر من أغلال الحنين الذي يلفني ككفني المنشود تماما...في هذه اللحظة بالذات أصبحت منطفئة داخليا لا أبالي بأي شيء...ذهابهم ، عودتهم...لاشيء ، قد انقشعوا من حياتي كسحب عابرة من غير غيث ، لم أعد أهتم لأي شيء فقط تلك الأحاسيس لاتفارقني كأنها لعنة تطاردني كنظرات مجتمع لايرحم للقيطة منبوذة لا أصل لها ولا فصل ، أحاسيس مختلطة مبعثرة بين المد والجزر...أريد فقط النجاة والوصول الى شاطئ الأمان.
هذه هي المرة الأخيرة التي سأبكي فيها على فراقه ، للمرة الاخيرة ساظهر هشاشة روحي لأعترف أنه قد سلب حياتي مني برحيله، للمرة الأخيرة ساعترف أنني أشتاقه كقهوة لا أحبها ، كرواية باهضة الثمن أحلم كل ليلة بشرائها وتصفحها...سأحتمي بلحاف النجوم هذه الليلة لأجعل من السماء سقفي لأنه وبكل بساطة لم ولن يفهم آمالي البسيطة المتعلقة به.
فراغ رهيب يجتاح أشلائي الحية سألني وبنبرة ملحة :"كيف حالك؟"
هنا أصطنعت ابتسامة جافة لاوزعها على كل من ينتظر سقوطي عاجلا لأجيب :"أنا بخير...أنا بخير"!
ابتلعت بقعة ضوء من مصباح غرفتي لأتيقن أنني لست سوى أسيرة لقصص قد مضت ، لابد لي من اختصار تلك المسافة الرمادية لأجتياز هذه الكوابيس...روحي هذه تستحق مني الكثير الكثير من الاهتمام والقليل من القلق ، ساواجه حقائق الغياب بشجاعة وسأتعامل مع المشاعر بصرامة لأكبت صبوة الحنين التي تجتاحني...سأدفنه في شوارع قلبي وسأرثيه بقصائد بيني وبين نفسي وسأتسلق الحروف لأراه وأنا على أهبة المغادرة .
~لا تسمحي للوجع بالعبث معك باحترافيته المذهلة ، كوني أنت عازفة الكمان ومستلمة العود لأنك ستكتشفين في نهاية المطاف أن الوقت فقط هو سيد الشفاء ، لذا ابتسمي بشموخ ولوحي للذين خذلوك بمنديل نجاحاتك كوداعك الأزلي لهم!
___أما بعد:
"أنا لا أرغب بالكتابة حقا لأنني فوضى مليئة بالتناقض المخيف حد الجزع ، فقط عند لحظة التهور اصفع ذاتك...نعم ذاتك لن يتألم خدك بل ستولد مع الصفعة فكرة عظيمة".
شهقة_الوداع
بقلم: بسمات_القوافي
آمال بسمة عريف
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire