جلسة_الصمت
محكمة الحياة تتداول عليها عدة جلسات ، تعقدها النفس البشرية بحضور المشاعر المتوافدة في كل مرة برفقة أفكار فضولية لا مدعوة ، و جلسة اليوم مؤثرة للغاية ، إنها جلسة طلاق ، أو بالأحرى قضية خلع بين الكلمة و اللسان ، رغم إصرار هذا الأخير على عدم فك الرابطة إلا أن تلك المسماة بالكلمة قالت كلمتها الحاسمة هي الأخرى :" لا للكلام !"، فما كان للقلبٍ كقاضي جلسة إلا المثول و عدم العدول عن تطبيق حكم الانفصال رغم محاولاته اليائسة للإرجاع.
و لمِّ الشمل شفقة على ذريتهما ،
ااه من حكم فك تلك الرابطة ، يهتز لها عرش القلب و العقل حقا ، فالحروف ستضحى يتامى.
يبكون بدل العبرات دما.
فراق اللسان و الكلمة كضحية .
هكذا هي نفوسنا، تعقد جلسة صمت في كل مرة يسوء حالها ، فتهاجر طيورها ممتطية سحاب السكون إلى بلاد العزلة حيت تحتضن الأرواح المتعبة ، إنها كبلاد الحبشة لا تظلم فيها ولا روح ، تفتح ذراعيها على مصراعيها لكل وافد فالعزلة لا تتطلب تأشيرة سفر بل فقط صمتا رهيبا يصاحبه نزيف يقطر من جرح داخل أعماق أعماق النفس المدنفة ، و آهات لا يسمع صداها إلا بين أرجاء صرح للخاطر الموحش و المتصدع الأركان ، و أنين خافت يرافق ذبذبات القلب سعيا بين الشرايين و موزعا الألم على كل ربوع الجسد ، فيرده باردا كجثة هامدة مستلقية تنتظر تشييعها ، تسمع ضجيج الحضور بين راحلين و قادمين ، تفهم أحاديثهم و قصصهم لكنها تعانق الصمت ، فقد تعب الكلام من الكلام ، تختار الصمت اللادغ الموجع الذي هو أرحم من لدغات الإنس الشيطانية بكثير ، أرحم من أنانية الانسان و جور السلطان و قساوة الزمان ، أرحم من اغتصاب شرف الصداقة و كرامة الحب ، أرحم من جريمة هجران حبيب و استغلال طيبة قلب ، هي أرحم من حرقة بنت عين فقير و من ملامح بؤس مرسومة بالحرمان على وجه يتيم ، هي أرحم من كل ذلك و أكثر ، فالصمت إن لم ينفع النفس فلا يضرها ، و إن لم يداويها فلن يقتلها ، و مهما كان مرهقا للكيان فهو أبغض حلال للميثاق الغليظ بين الكلمة و اللسان .
بقلم: يحي بن غوبة .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire