عمرا من الورد
....كانت جدتي المسكينة تخيط لي عمرا من الورد، وكانت تقول لي دائما حينما تكبر تفهم معنى الورد وعمقه...كانت تعرف كيف تخبىء السنوات الضائعة..وكيف تتستر على السنوات الهاربة أو المتمردة..وتقابلني بابتسامة هرمة لكنها ساحرة...أجمل ما في جدتي أن النية تعمرها....
ذات مرة في يوم من أيام البراءة أو الطفولة...في أيام الربيع الباكية.. كنا نلعب ونحن محض أطفال..نلعب لعبة تقمص الأدوار والشخصيات..أتذكر جيدا أنني تقمصت دور الطيار...أقود طائرة حربية محملة بالصواريخ....لا أعرف لماذا كنت أحب هذا الدور لكن كل ما كنت أشعر به أنني أعشق التحليق...وحينما كنا نلعب دخل غريب بيننا.. وتعرضت إلى الظلم من قِبَله وكنت ضعيفا أمامه...أخبرت جدتي بذلك وأنا كنت حزينا...فقالت لا تحزن ولا تبك..فأنت صغير بعد... وبأن الله سينصر المظلوم...ويحاسب الظالم.....وأتذكر جيدا ردة فعلي وقتها(قلت لها أين الله يا جدتي..وهل الصغار يظلمون دائما...وهل حينما أكبر لن أتعرض للظلم؟)...
الآن كبرت ...لكني لم أفهم معنى الورد....كبرت وجدتي مازلت تخيط العمر وردا....
كبرت..ولم أعد ابكِ..ولا أحزن....لكن جدتي أصبحت كثيرة البكاء الآن...وتقول لي رغم كل شيء بأن الله سينصرها....سينصرها....
كبرت ومازلت أرى الرجل الذي ظلمني في الصغر أمامي...كلما كبرت يكبر معي...وجدتي تبكي وتخيط من البكاء عمرا آخر حينما ذبل الورد ونام الربيع في صحراء الضياع...ونام العمر كله في ليلة غاب فيها القمر....
بقلم: أ/سركاستي موراد
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire