آخر الأخبار
... جاري التحميل

حلم حرّاق___قصة قصيرة بقلم سركاستي موراد

0






حلم_حراق_______________________

كنت أحلم وأنا أمتطي زورقا صغيرا مليئا بالثقوب..كانت وجهتي جزيرة لا توجد شاكلتها على الخريطة..كلما امتلأ الزورق ماءً..قمت بإفراغه...أجدف وأجدف بكلتا يدي وبكل ما أوتيت من قوة...وكلّي أمل أن أصل إلى تلك الجزيرة السّحرية..التي قرأت عنها الكثير..وسمعت الكلام الكثير عن هؤلاء الذين غامروا وركبوا البحر مثلي..
كان الجو صافيا..وكان كل شيء هادئا..ليفاجئني البحر مع أفول الشمس..ويرميني كلعبة صغيرة تتضاربها الموج عشوائيا..كما يتقاذف الأطفال الصغار كرة صغيرة مصنوعة من أكياس الحليب وبقايا الأوراق....
بقيت أقاوم وأصارع مع الموج..تارة أفرغ الماء من الزورق وتارة أخرى أمسك بالمجداف حتى لا ينقلب بي الزورق وأكون طعما لسمك القرش...كم من مرة وصل الموج ليرميني..لكن تمسكي ودعواتي حالت دون ذلك...
زال الخطر..وعاد البحر للسكون..بعد أن روضتني الأمواج ليلة كاملة دون ملل ولا كلل..بدأ الضباب يتلاشى في خجل حينما أعلنت الشمس قدومها..كنت منهكا تماما..خارت كل قواي..فقدت الأمل في الوصول إلى البر سالما..فجأة  سمعت أصوات النوارس تملأ المكان..لاحت لي من بعيد غمامة بيضاء شكّلها الضباب بشكل دائري..
اقتربت ..واقتربت أكثر...حتى تبيّن لي بأنها جزيرة...فعاد إلى قلبي الاطمئنان..وعاد الأمل يرتسم أمامي...ربما هي جزيرة الأحلام _" هكذا قلت"_وقبل أن أصل إلى الشاطيء رميت بنفسي خشية أن يراني أحد...
أكملت البحر سباحة..حتى وصلت الى الشاطيء...حمدت الله على وصولي سالما...استلقيت على الشاطيء نصف يوم كامل...ثم عزمت على مواصلة مغامرتي..في اكتشاف سر الجزيرة السحرية..وسر إغواءاتها للكثير ممن ركبوا البحر مثلي..غير آبهين بما تركوه خلفهم...ناسين بذلك كل أشكال انتماءاتهم..كان حلمهم الواحد والوحيد هو العيش في هذه الجزيرة.....
كان كل شيء هادئا..لوهلة كنت أقول في نفسي أنها جزيرة لا يسكنها البشر..حتى سمعت عواءات..ظننتها ذئابا مسعورة..فلما تجلّت أمامي عرفت أنها بشر ليس كالبشر الذين أعرفهم....قيدوني ووضعوا شيئا على رأسي حتى لا أرى المكان..مشوا بي قرابة ساعة...ولما نزعوا القناع  على رأسي وجدت نفسي داخل كهف كبير...أجلسوني على ركبتي...ثم قاموا بأشياء غريبة لا أعرف شيئا عنها..وحتى في الأساطير لم يرد شيء مماثل لها...
ثم تقدم إلي رجل أبيض طويل القامة..كان يرتدي ألوانا باهتة...نظر إلي..وتحسس كل شيء في جسدي..ثم بإشارة منه قاموا بفك رباطي..بعد أن قاموا بزرع شيء لا أعرفه تحت رقبتي...
أجلسوني على كرسي خشبي مصنوع من أغصان الشجر...وبدأ ذلك الرجل الطويل يحدثني...لا أفهم أي كلمة يقولها..اللهم إلا أسنانه البارزة بياضا..التي كنت أراقبها وهي تصتك فيما بينها...ثم ناولوني شرابا لا مذاق له...وجردوني من ثيابي كلها..وألبسوني ثيابا تشبه ثيابهم لكنها تختلف قليلا عن ألبستهم..ربما ذلك من أجل التفرقة بين الوافدين إلى الجزيرة والسكان الأصليون لها....
وبعد أن أكملوا كل ترتيباتهم الخاصة بي...عاد الرجل يسألني..الآن أصبحت افهم كلامه...كان يسألني عن المكان الذي اتيت منه..فكان جوابي أنني لا أعرف حقا من أين اتيت..الشيء الوحيد الذي أعرفه هو انني أسكن الان هنا.....
سألني عن إسمي عن أصلي...لكن لا جوابي عندي..وكأن ذلك الشراب الذي ناولوني إياه مدمر للذاكرة...لا أتذكر أي شيء....أصبحت واحدا من هؤلاء الذين توهموا بسحر الجزيرة...لا شيء يجذب ..لا سحر ولا جمال اللهم إلا تلك الكهوف التي صنعها أمثالي ممن ركبوا البحر...كهوفا يسكنها السكان الأصليون للجزيرة....أما أنا ومن سبقني...فلا شيء لنا الحق فيه سوى لقمة عيش لعينة.....
فجاة سمعت طرقا على الباب..كانت أمي كالعادة.."بني..لقد تأخرت عن العمل"...
كانت الشمس قد احتلت نصف المكان من غرفتي...استيقظت..تناولت قهوتي مع إبتسامة أمي الصباحية..وقبل أن أخرج..بدأت امي تنثر  دعواتها على جسدي  وتقبّل رأسي..
"ربي يفرجها عليك يا بني..أن شاء الله تتفتح كل أبواب الهناء والسعادة لك..ويرزقك الله من حيث لا تدري"..
خرجت وأنا أردد ما تبقى مني نتيجة سيلان ذلك الكابوس في عقلي...
"اللعنة على جزيرة لا توجد فيها أمي... اللعنة على احلام مزيفة...وحقائق مشوهة...ما أجمل أن تكون مع أمك ودعواتها الصادقة البريئة...اللعنة على تلك الجزيرة وتبا لكل من أراد طمس هويتي...ومحوها..."
بقلم: أ/سركاستي موراد

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

جميع الحقوق محفوظه © أقلام

تصميم Noro Soldat