سباق النشر
منذ أسابيع قليلة، أطلقت دور النشر الجزائرية صفارة الانطلاق في استقبال الأعمال التي ستشارك في المعرض الدولي للكتاب "سيلا 2019"، وانطلق السباق ليضمن الجميع الوصول المبكر، ويقبل عمله. صارت الأعمال في ظرف أيامٍ تتهافت على الدور، وتعددت العناوين المشاركة، لكن السؤال المطروح:
- هل سنشهد هذه السنة منتوجا ذو جودة عالية في دور النشر الجزائرية؟
في السنوات الماضية، اكتسحت الساحة الأدبية أعداد هائلة من المؤلفات، يُشكر أصحابها على جرأتهم لاتخاذ قرار خوض التجربة، لكن يُعاب عليهم الأسلوب والتفريط في الحس الأدبي، صرنا نرى عناوين تشد القلوب تتستر خلفها حروف بكماء.
إذا أردنا أن نطالع محتوى راقٍ من جديد، إذا أردنا أن نرى أحفاد المتنبي والرافعي وعائشة بنت الشاطئ ونازك الملائكة، أو نقرأ لخلف أغاثا كريستي و ديستوفسكي، لا حصر للأسماء اللامعة في سماء المكتبات، إذا أردنا أن نقتفي آثار المبدعين علينا أن نتوقف عن المجاملة، لا ينبغي لنا أن نسجل إعجابنا المبالغ فيه في كل ما طُلب رأينا لتقييم جودته، وغالبا لا نكمل السطر. ولا يصح كذلك أن نسأل أحدا النصيحة وننتظر المدح المطلق، ولا نتقبل منه أي ملاحظة تُنقص من قيمة العمل في نظرنا. عند دخولك عالم التأليف عليك أولا أن تطلع على على أساسياته ومن بينها فن النقد، عرفه العرب منذ أيام الجاهلية، حين ضرب الشعراء للنابغة الذبياني القبة الحمراء في سوق عكاظ، ونصبوه حكما على أشعارهم ويرضون بحكمه العادل، وقد مر شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم بقبته وخرج منها خاسرا، فمن نحن أمام حسان بن ثابت -رضي الله عنه- لنتحسس من النقد؟
النقد البناء فن أصيل خدم تراثنا العربي، وُجد لانتقاء الأعمال المميزة، وتصنيف المؤلفات، فلا يصح أن يُضرب به عرض الحائط إرضاء لغرورنا. علينا أن نتقبل ملاحظات الآخرين من منطلق "خود الراي الي يبكيك" قبل أن يصل العمل إلى القراء. علينا أن نرحم عالم الكتب من التفاهة التي نهشت قداسته، لا تكفي الموهبة أو بالأحرى لا يكفي الاعتقاد بامتلاك الموهبة، فالكتابة تضبطها قواعد، وتصوغها أساليب، وترتقي بها البلاغة، ثم إن الأخطاء الإملائية عيب أدبي، لا يصح أن تصدر من "الكاتب". علينا أن نتوقف عن الكتابة من أجل الكتابة، من أجل لقب "الكاتب"، من أجل تقليد الآخرين، من أجل الربح المادي. الكتابة ليست النفق الصحيح الذي سيوصلك إلى عالم الشهرة، من يحب التأليف حقا يعطيه حقه. لمَ العجلة؟
من أراد حقا تبليغ رسالة بكلماته عليه أن يجهد نفسه بالتسلح لأداء مهمته، نحن أمة إذا عملت أتقنت، ولا يجوز في عُرف العرب الكتابة لغير هدف منشود. ثم إن الانتقاد لا يعني الفشل، الكاتب الواثق من قدراته المستحق للقب "كاتب" لا يسمح لمحفزٍ -النقد- أن يصبح كابوسه ويسوقه إلى الاستسلام، بل يأخذ بجملة النصائح ويرتقي بها نحو تحقيق حلمه.
اصبر ولا تصنف كل من قال كلمة عن كلماتك في خانة أعداء النجاح، لعل صمته لمجاملتك سيكون سبب انهيارك. قبل أن تخطو خطوة لتحقيق حلمك في النشر، توقع أنك ستلتقي بأصناف عديدة من العقليات، وتسمع العديد من الآراء، وتتلقى صفعات مدوية. إنه أمر طبيعي فلكل شيء في الحياة ضريبة، كن مستعدا للسداد قبل الانطلاق، اختر هدفك قبل أن ترفع قلمك، ثم قيده بحدود الله، واستعن بقواعد اللغة العربية وأصولها، ببساطة جهز أمتعتك بتفانٍ ولا تستلم ولا تتسرع، فقط أعطِ حرفك حقه.
بقلم:
أمل فراح
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire